كتاب العرش وما روي فيه - محققا

الْأَرْضِ، فَوَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فطأطأه سبعين بدعا1 قَالَ: يَا رَبِّ مَا لِي لَا أَسْمَعُ صَوْتَ مَلَائِكَتِكَ وَلَا أُوجِسُهُمْ2، فَقَالَ اللَّهُ: خَطِيئَتُكَ يَا آدَمُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ فابْنِ لِي بَيْتًا وَطُفْ بِهِ وَاذْكُرْنِي حَوْلَهُ كَمَا رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَصْنَعُونَ حَوْلَ عَرْشِي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَقْبَلَ آدَمُ يَتَخَطَّى الْأَرْضَ، فَمَوْضِعُ كُلِّ قَدَمٍ قَرْيَةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا مَفَازَةٌ3، حَتَّى وَضَعَ الْبَيْتَ4.
__________
1 الباع: هو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن.
"لسان العرب": (8/ 21) ، مادة: بوع.
2 التوجس: هو التسمع للصوت الخفي.
"لسان العرب": (6/ 4772) ، مادة: وجس.
3المفازة: البرية القفر، وسميت الصحراء مفازة لأن من خرج منها وقطعها فاز.
"لسان العرب": (5/ 3485) ، مادة: فوز.
4 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق. 200/أ) .
وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة": (1/ 36) مطولا.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 90.
جميعهم من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس موقوفا بنحوه، ولكن بلفظ "ستين ذراعا" بدل "سبعين ذراعا".
وإسناد المؤلف فيه القاسم بن خليفة وهو مجهول، وفيه طلحة وهو متروك وعليه فإسناده ضعيف جدا.
والحديث روي عن عطاء مرسلا من طرق أخرى.
فقد أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/ 546) ، تفسير سورة البقرة بسنده عن عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن سوار عن عطاء بن أبي رباح مرسلا بنحوه.
وأخرجه ابن إسحاق في "المغازي": ص 72 بسنده من طريق أحمد بن يونس عن ثابت بن دينار عن عطاء مرسلا بنحوه.
وأيضا روي نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وأخرجه الطبري في "تفسيره": (1/547) بسنده عن أبي قلابة عن عبد الله بن عمرو موقوفا بنحوه.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/ 127) ونسبه إلى الطبري، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد": (3/ 288) وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" موقوفا، ورجاله رجال الصحيح"، قال أحمد شاكر في تعليقه (3/59) : ولكن ليس فيه حجة، ولعله مما كان يسمع عبد الله بن عمرو من أخبار أهل الكتاب.
وأيضا روي عن قتادة مرسلا. أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/547) بسنده عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا بنحوه، والأزرقي في "أخبار مكة": (1/ 42) عن معمر عن قتادة مرسلا.
قلت: وقد أورده الطبري وغيره للدلالة على أن أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام حيث أمره الله بذلك، ثم إن البيت قد درس مكانه وتعفى أثره بعد الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم عليه السلام فبناه قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة البقرة، الآية: 127] . اهـ.
وقد جاء في الحديث قوله: "وكان رأسه في السماء"، وهذا يدل على أن آدم كان مفرطا في الطول في ابتداء خلقه، ولكن هذا الكلام تنقضه أحاديث أخرى، تدل على أنه خلق في ابتداء الأمر على طول ستين ذراعا، منها ما جاء في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك" الحديث.
انظر: "فتح الباري": (6/ 362، حديث 3326) .
والذي يظهر أن هذا الحديث إنما هو من الإسرائيليات. والله أعلم.

الصفحة 396