كتاب العرش وما روي فيه - محققا

امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أسماء بنت قيس بْنِ السَّكَنِ1 قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرْقَأُ 2 دَمْعُكِ وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ لَهُ وَاهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" 3.
__________
1 هكذا في "الأصل": "أسماء بنت قيس"، وكذلك في "العلو" للذهبي: ص 70، وقال: "أسماء تابعية، وهذا مرسل"، وعند باقي من أخرج الحديث أسماء بنت يزيد، ولعل هذا هو الصواب، وهي أسماء بنت يزيد ابن السكن ابن رافع الأنصارية الأشهلية أم سلمة- رضي الله عنها-.
"الإصابة": (4/ 229) ، "تهذيب التهذيب": (12/ 399) .
2 رقأت: الدمعة ترقأ، رقأ، ورقوء: جفت وانقطعت.
"لسان العرب": (3/ 1699) ، مادة: "رقأ".
3 أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد": ص 237، والإمام أحمد في "المسند": (6/ 456) ، وفي "فضائل الصحابة": (1500) ، وابن سعد: (3/ 434) ، وابن أبي شيبة في "المصنف": (12368) ، والحاكم في "المستدرك": (3/306) ، والطبراني في "الكبير": (6/14) ، وابن أبي عاصم في "السنة": (2/246) . كلهم من طريق يزيد بن هارون به.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"! (9/ 309) ، وقال الطبراني: ورجاله رجال الصحيح.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
إسناده ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير إسحاق بن راشد فإنه مجهول لا يعرف.
التعليق:
اختلف في تأويل اهتزاز العرش الوارد في الحديث على عدة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالعرش هنا هو السرير الذي كان عليه سعد واهتزازه تحركه.
وقد ذهب إلى هذا القول البراء بن عازب، كما جاء في رواية البخاري عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر الحديث ... فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير، فدل هذا على أن البراء أنكر أن يكون المراد بالعرش عرش الرحمن، وقد أنكر ابن عمر ما أنكره البراء فقال: "إن العرش لا يهتز لأحد"، ووقع ذلك من حديثه عند الحاكم بلفظ: "اهتز العرش فرحا به" لكنه تأوله كما تأوله البراء بن عازب فقال: "اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا، قال ابن عمر: "يعني عرش سعد الذي حمل عليه"، ولكن ابن عمر رجع عن ذلك، وجزم بأنه اهتزاز عرش الرحمن، أخرج ذلك ابن حبان من طريق مجاهد عنه".
وقد أجاب ابن حجر عن رواية الحاكم بأنها من رواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر، وفي حديث عطاء. مقال، لأنه اختلط في آخر عمره، ويعارض روايته- أيضا- ما صححه الترمذي من حديث أنس قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الملائكة كانت تحمله".
وقال الحاكم: الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في "الصحيحين" وليس لمعارضها في الصحيح ذكر. اهـ.
فعلى هذا لا حجة لأصحاب هذا القول من الحديث، فقد ثبت أن المراد بالعرش في الحديث هو عرش الرحمن، وكذلك فإنه على هذا التأويل لا يكون لسعد في هذا القول فضيلة، كما أنه لا يكون في الكلام فائدة، لأن كل سرير من سرر الموتى لا بد أن يتحرك لتجاذب الناس إياه، فعلى هذا فالقول غير صحيح ولا حجة له.
القول الثاني: أن المراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه، ذلك لأنه يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتز له، ومنه اهتزت الأرض بالنبات، إذا اخضرت وحسنت، وقد استدل هؤلاء بما جاء في رواية ابن عصر عند الحاكم بلفظ: "اهتز العرش فرحا به".
القول الثالث: أن المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة، والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول.
وقد ذهب إلى هذا القول ابن قتيبة، وأبو الحسن علي بن محمد ابن مهدي الطبري، وابن الجوزي، وابن فورك.
وقال ابن قتيبة: الاهتزاز الاستبشار والسرور- يقال: إن فلانا ليهتز للمعروف، أي: يستبشر ويسر، وإن فلانا لتأخذه للثناء هزة، أي: ارتياح وطلاقة- ومنه قيل في المثل: إن فلانا إذا دعى اهتز، وإذا سئل ارتز، والكلام لأبي الأسود الدؤلي- يريد أنه إذا دعي إلى طعام يأكله اهتز، أي: ارتاح وسر، وإذا سئل الحاجة ارتز، أي ثبت على حاله ولم يطلق، فهذا يعني الاهتزاز في هذا الحديث.
وأما العرش: فعرش الرحمن- جل وعز- على ما جاء في الحديث، وإنما أراد باهتزازه استبشار الملائكة الذين يحملونه ويحفون حوله كما قال الله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [سورة الدخان، الآية: 29] ، يريد ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض؟ فأقام السماء والأرض مقام أهلها، وكما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} [سورة يوسف، الآية 82] ، أي؟ سل أهلها، وكما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحد جبل يحبنا ونحبه"، يريد يحبنا أهله من الأنصار، ونحبه، أي: نحب أهله.
كذلك أقام العرش مقام حملته الحافين من حوله، وقد جاء في الحديث أن الملائكة تستبشر بروح المؤمن وأن لكل مؤمن بابا في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، وتعرج فيه روحه إذا مات ثم يرد.
ويدل على هذا التأويل- أيضا- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد تبادر إلى غسله سبعون ألف ملك"، وهذا التأويل بحمد الله تعالى سهل قريب كأنه قال: لقد استبشر حملة العرش والملائكة حوله بروح سعد. انتهى من كلام ابن قتيبة.
القول الرابع: قول الحربي: أنه كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء العظيم إلى أعظم الأشياء؟ فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض وقامت له القيامة، وفي هذه منقبة عظيمة لسعد.
القول الخامس: أن الاهتزاز هو على حقيقته، وأن العرش تحرك لموت سعد فرحا بقدومه، وقد جعله الله في العرش ليكون فيه منقبة لسعد.
وهذا هو ما دل عليه ظاهر الحديث، وهو أمر لا ينكر من جهة العقل، لأن العرش إنما هو جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون.
وهذا هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قول السلف.
وقد رد السلف على من تأول بأن المراد به استبشار حملة العرش وفرحهم، أو أن المراد به الكناية عن عظم الشأن أو غير ذلك من التأويلات - بأنه لا دليل لهم على ما قالوا، كما أن سياق الحديث ولفظه ينفي تلك الاحتمالات. انظر:
"فتح الباري": (7/123 - 124) ، و"صحيح مسلم بشرح النووي": (16/ 22) ، و"الرسالة العرشية" لابن تيمية: ص 8- 9، و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة: ص 178، و"كتاب مشكل الحديث" لابن فورك: ص 127، "الأسماء والصفات": ص 285.
والحديث قد دل على إثبات صفة الضحك لله عز وجل.
ومذهب السلف هو إثبات هذه الصفة لله عز وجل لورودها في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذا في الآثار الواردة عن أصحابه- رضوان الله عليهم-، فمذهبهم هو الإيمان بأن الله عز وجل يضحك متى شاء وكيف شاء ولا يكيفيون هذه الصفة، وهي من صفات الكمال، وليست من صفات النقص كما يزعم المخالفون من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، الذين ينكرون هذه الصفة تحت دعوى نفي قيام الحوادث بذات الله.
ومن الأحاديث الواردة في إثبات صفة الضحك ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" في قصة الرجل الذي هو آخر أهل النار دخولا إلى الجنة فقد جاء فيه: " ثم يقول- أي رب، أدخلني الجنة، فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت، فيقول: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب، لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة" الحديث.
انظر: "فتح الباري ": (13/ 419، 420، حديث 7437) ، و"صحيح مسلم": (1/113، 114) ، كتاب الإيمان.

الصفحة 418