كتاب معجم البلدان (اسم الجزء: 1)

وهذه الكتب المدوّنة في هذا الباب التي نقلت منها، ثم نقلت من دواوين العرب والمحدَثين وتواريخ أهل الأَدب والمحدّثين، ومن أَفواه الرواة، وتفاريق الكتب، وما شاهدتُه في أَسفاري، وحصَّلتُه في تَطْوافي، أَضعاف ذلك، والله الموفق إِن شاءَ الله.
فأَما الطبقة الأُولى، فأَسماء الأَماكن في كتبهم مصحّفة مغيَّرة، وفي حيَّز العدم مصيَّرة، قد مسخها من نسخها.
وأَما الطبقة الثانية فإنها وإن وُجدت لها أُصول مضبوطة، وبخطوط العلماء منوطة مربوطة، فإنها غير مرتبة، ولشفاء العليل غير مسببة، لشدة الاختصار، وعدم الضبط والانتشار، لأَن قصدهم منها تصحيح الأَلفاظ، لا الإِبانة عمَّا عدا ذلك من الأَغراض، والبحث عما يعترض فيها من الأَعراض، فاستَخَرتُ الله تعالى، وجمعت ما شَتَّتُوه، وأَضفت اليه ما أهملوه، ورتَّبتُه على حروف المعجم، ووضعته وضع أهل اللغة المحكم، وأَبَنتُ عن كل حرف من الاسم: هل هو ساكن أو مفتوح أَو مضموم أَو مكسور، وأَزَلتُ عنه عوارض الشُّبَه، وجعلته تبرا بعد أن كان من الشّبه، ثم أذكر اشتقاقه إن كان عربيّاً، ومعناه إِن أَحَطْتُ به علما إن كان عجميا، وفي أَيِّ إِقليم هو وأَيُّ شيءٍ طالعه، وما المستولي عليه من الكواكب، ومن بناه، وأَيُّ بلد من المشهورات يجاوره، وكم المسافة بينه وبين ما يقاربه، وبماذا اختص من الخصائص، وما ذُكر فيه من العجائب، وبعض من دُفن فيه من الأَعيان والصالحين والصحابة والتابعين، ونُبَذاً مما قيل فيه من الأَشعار في الحنين إِلى الأَوطان، الشاهدة على صحة ضبطه والإتقان، وفي أَيِّ زمان فتَحهَ المسلمون وكيفية ذلك، ومن كان أميره، وهل فُتح صُلحاً أَو عَنوَة لتَعرف حُكمَه في الفيء والجزية، ومن ملكه في أَيامنا هذه.
على أَنه ليس هذا الاشتراط بمطاوِعٍ لنا في جميع ما نورده، ولا ممكن في قُدْرَة أَحد غيرنا، وإِنما يجيءُ على هذا البُلْدان المشهورة، والأُمهات المعمورة، وربما ذُكر بعض هذه الشروط دون بعض على حَسْب ما أَدَّانا إليه الاجتهاد، وملّكناه الطلب والارتياد.
واستَقصَيتُ لك الفوائد جُلّها أَو كلها، ومَلّكْتك عَفواً صَفواً عَقْدَها وحَلّها، حتى لقد ذَكرتُ أَشياء كثيرة تأْباها العقول، وتَنفِر عنها طباع من له محصول، لبُعدها عن العادات المأْلوفة، وتنافُرها عن المشاهدات المعروفة، وإِن كان لا يُستعظَم شيءٌ مع قُدرة الخالق وحِيَلِ المخلوق، وأَنا مُرتاب بها نافرٌ عنها مُتَبَرِّىءٌ إِلى قارئها من صِحَّتها، لأَنني كتبتها حِرصاً على إحراز الفوائد، وطلباً لتحصيل القلائد منها والفرائد، فإن كانت حقا فقد أَخذنا منها بنصيب المصيب، وإِن كانت باطلًا فلها في الحق شِرك ونصيب، لأَنني نَقَلتُها كما وجدتُها، فأَنا صادق في إيرادها كما أَوردتُها، لتعرف ما قيل في ذلك حقاً كان أَو باطلًا، فإِنّ قائلًا لو قال: سمعتُ زيداً يكذب، لأَحْبَبْت أَن تعرف كيفية كذبه.
وها أَئمة الحُفَّاظ الذين هم القُدْوة في كل زمن، وعليهم الاعتماد في فرائض الشّرْع والسُّنَن، لم يَشْتَرط أَكثرهم في مَسْنَده، وهي أحاديث الرسول التي تَبْتَني عليها الأَحكام، ويُفَرَّق بها بين الحلال والحرام، إيرادَ الصحيح دون السقيم، ونَفيَ المُعوَجِّ وإِثباتَ المستقيم، ولم يُخرجِهْم ذلك عن أَن يُعَدُّوا في أَهل الصدق،

الصفحة 12