كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 1)
كأَن ثَبِيرًا في عَرَانِينِ وَبْلِهِ ... كَبِيرُ أُنَاسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ (٢١)
وأنشد:
وظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِنْ بَيْنِ مُنْضِجٍ ... صَفِيفَ شِوَاءٍ أو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ
جَرَّ قديرًا، مَعَ العَطْفِ لِلْمُجَاوَرَةِ، وفى كِتَابِ اللهِ تَعالَى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} (٢٢). جَرَّ أَلِيمًا، وهو صِفَةُ العَذَابِ المَنصُوب، لِمُجَاوَرَته المَجْرُورَ، وتقول العربُ: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. وإذا كان الأمْرُ فيها مُحْتَمِلًا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلى بيانِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا قَوْلُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَدِيثِ عَمْرِو بنِ عَبَسَة (٢٣): "ثم غَسَلَ رِجْلَيْه كما أمَرَهُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ" (٢٤). فَثَبَتَ بهذا أنَّ [اللهَ تعالى] (٢٥) إنَّما أمَرَ بالغَسْلِ لا بالمَسْحِ، ويحَتْمِلُ أنه أرادَ بالمَسْحِ الغَسْلَ الخَفِيفَ. قال أبُو عَلِىّ الفارِسِىّ: العَرَبُ تُسَمِّى خَفِيفَ الغَسْلِ مَسْحًا، فيَقُولُون: تَمَسَّحْتُ للصَّلاةِ. أي تَوَضَّأتُ. وقال أبُو زَيْدٍ الأنْصَارِىّ نَحْوَ ذلك، وتَحْدِيدُه بالكَعْبَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أنه أرادَ الغَسْلَ، فإنَّ المَسْحَ لَيْسَ بمَحْدُودٍ.
فإنْ قِيلَ: فعَطْفُه عَلَى الرَّأْسِ دَلِيلٌ عَلَى أنه أرادَ حَقِيقَةَ المَسْحِ. قُلْنَا: قَد افْتَرقَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُها، أنَّ المَمْسُوحَ في الرَّأْسِ شَعْرٌ يَشُقُّ غَسْلُه، والرِّجْلَان بِخِلَافِ ذلك، فَهُمَا أشْبَهُ بالمَغْسُولاتِ. والثانى، أنَّهُما مَحْدودَان بِحَدٍّ يَنْتَهى إليه، فأشْبَهَا اليَدَيْنِ. والثالثُ، أنَّهُما مُعَرَّضَتَان للخَبَثِ لِكَوْنِهما يُوطَأُ بِهما على الأَرْضِ،
---------------
(٢١) رواية الديوان لصدر البيت:
* كأنَّ أبانًا في أفانينِ وَدْقِه *
والبجاد: كساء مخطط. وخفض "مزمل" وهو صفة لـ "كبير"، لمجاورته "بجاد" المخفوض.
(٢٢) سورة هود ٢٦.
(٢٣) في النسخ: "عنبسة". وهو أبو نجيح عمرو بن عبسة بن عامر السلمى، أسلم قديما بمكة، وكان أخ أبى ذرٍ لأمه، توفي في أواخر خلافة عثمان. تهذيب التهذيب ٨/ ٦٩.
(٢٤) ذكر الحديث بطوله السيوطي، في الجامع الكبير ٢/ ٥٨٢. وقال: أخرجه سعيد بن منصور.
(٢٥) في م: "النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-".
الصفحة 188