كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 1)

الانْقِطَاعِ فيما يُمْكِنُ فِعْلُ (١٣) العِبَادَةِ فيه يَشُقُّ، وإيجَابُ الوضُوءِ به حَرَجٌ لم يَرِدِ الشَّرْعُ به، ولا سَأَلَ عنه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المُسْتَحَاضَةَ التي اسْتَفْتَتْهُ، فيدُلُّ ذلك ظَاهِرًا على عَدَمِ اعْتِبَارِه مع قولِ اللَّه تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١٤)، ولم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا عن أحَدٍ مِن الصَّحابَة هذا التَّفْصِيلُ. وقال القاضي، وابْنُ عَقِيلٍ: إنْ تَطَهَّرَتِ المُسْتَحَاضَةُ حَالَ جَرَيَانِ دَمِها ثم انْقَطَعَ قبلَ دُخُولِها في الصَّلَاةِ، ولم يكنْ لها عادَةٌ بِانْقِطَاعِه، لم يكنْ لها الدُّخُولُ في الصَّلَاةِ حتى تَتَوَضَّأ؛ لأنَّها طَهارَةٌ عُفِى عن الحَدَثِ فيها لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، فإذا انْقَطَعَ الدَّمُ زَالَتِ الضَّرُورَةُ، فظهَرَ حُكْمُ الحَدَثِ كالمُتَيَمِّمِ إذا وَجَدَ الماءَ، وإنْ دَخَلَتْ في الصَّلَاةِ فاتَّصَلَ الانْقِطَاعُ زَمَنًا يُمْكِنُ الوُضُوءُ والصَّلَاةُ فيه، فهى بَاطِلَةٌ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ طَهارَتِها بانْقِطَاعِه. وإنْ عادَ قبلَ ذلك، فطَهَارَتُها صَحِيحَةٌ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا عَدَمَ الطُّهْرِ المُبْطِلِ لِلطَّهَارَةِ، فأَشْبَهَ ما لو ظَنَّ أَنَّه أحْدَثَ، ثم تَبَيَّنَ أنَّه لم يُحْدِثْ. وفى صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَجْهَان: أحَدُهما، يَصِحُّ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا صِحَّةَ طَهارَتِها؛ لِبَقاءِ اسْتِحاضَتِها. والثَّانِى، لا يَصِحُّ؛ لأنَّها صَلَّتْ بِطَهارَةٍ لم يكنْ لها أنْ تُصَلِّىَ بها فلم تَصِحَّ، كما لو تَيَقَّنَ الحَدَثَ وشَكَّ في الطَّهَارَةِ، فصَلَّى، ثم تَبَيَّنَ أنَّه كانَ مُتَطَهِّرًا. وإن عاوَدَها الدَّمُ قَبْلَ دُخُولِها في الصَّلَاةِ لِمُدَّةٍ تَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ والصَّلَاةِ، بَطَلَت الطَّهَارَةُ، وإنْ كانتْ لَا تَتَّسِعُ، لم تَبْطُلْ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا عَدَمَ الطُّهْرِ المُبْطِل لِلطَّهَارَةِ، فأَشْبَهَ ما لو ظَنَّ أنَّه أحْدَثَ، فتَبَيَّنَ أنَّه لم يُحْدِثْ، وإنْ كان انْقِطَاعُهُ في الصَّلَاةِ، ففى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ به وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على المُتَيَمِّمِ يَرَى الماءَ في الصَّلَاةِ. ذَكَرَ ذلك ابنُ حَامِدٍ. وإنْ عاوَدَها (١٥) الدَّمُ، فالْحُكْمُ فيه على ما مَضَى في انْقِطَاعِهِ في غيرِ الصَّلَاةِ. وإنْ توَضَّأَتْ في زَمَنِ انْقِطَاعِه، ثم عاوَدَها الدَّمُ قبْلَ الصَّلَاةِ أو فيها، وكانتْ (١٦) مُدَّةُ
---------------
(١٣) في الأصل: "فصل".
(١٤) سورة الحج، الآية الأخيرة.
(١٥) في م: "عاود".
(١٦) في م: "أو كانت".

الصفحة 425