كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 1)

فَسادٍ، تُصَلِّى وتصُومُ ولا تَقْضِى. وهذا قولُ أبى ثَوْرٍ. وإنْ كان الدَّمُ الثَّانِى يومًا وليلةً، فالحُكْمُ فيه كما قُلْنَاه، مِنْ أنَّها تَصُومُ وتُصَلِّى وتَقْضِى الصَّوْمَ. ولَنا، أنَّه دَمٌ صادفَ زَمَنَ النِّفَاسِ، فكان نِفَاسًا، كما لو اسْتَمَرَّ، ولا فَرْقَ بينَ قليلِه وكثيرِه؛ لما ذَكَرْنَاهُ، ومَن (٨) جَعَلُه حَيْضًا، فإنَّما خَالَفَ في العِبارةِ، فإنَّ حُكْمَ الحَيْضِ والنِّفَاسِ وَاحِدٌ، وأمَّا ما صَامَتْه في زَمَنِ الطُّهْرِ، فلا إعادةَ عليها فيه.

فصل: إذا رَأَتِ المَرْأَةُ الدَّمَ بعدَ وَضْعِ شيءٍ يَتَبَيَّنُ فيه خَلْقُ الإِنْسان، فهو نِفَاسٌ. نَصَّ عليه. وإنْ رَأتْه بعدَ إلْقَاءِ نُطْفَةٍ أو عَلَقَةٍ (٩)، فليس بنِفَاسٍ. وإنْ كانَ المُلْقَى مُضْغَةً (١٠) لم يَتَبَيَّنْ فِيها شيءٌ مِن خَلْقِ الإِنْسانِ، ففيها وَجْهَان: أحدُهما، هو نِفَاسٌ؛ لأنَّه بَدْءُ خَلْقِ آدَمِىٍّ، فكان نِفَاسًا، كما لو تَبَيَّنَ فيها خَلْقُ آدَمِىٍّ. والثَّانى، ليس بِنِفَاسٍ؛ لأنَّه لم يَتَبَيَّنْ فيها خَلْقُ آدَمِىٍّ، فأَشْبَهَتِ النُّطْفَةَ.

فصل: إذا وَلَدَتِ المَرْأةُ تَوْأمَيْن، فذكر أصْحَابُنا عن أحمدَ رِوايتَيْن فيها: إحْداهما، أنَّ النِّفَاسَ مِن الأوَّلِ كُلِّه، أوَّلِه وآخِرِه، قالوا: وهى الصَّحِيحَةُ. وهذا قولُ مالك، وأبى حنيفةَ. فعلى هذا متى انْقَضَتْ مُدَّةُ النِّفَاسِ مِنْ حِين وَضَعَتِ الأوَّلَ، لم يكنْ ما بعدَه نِفَاسًا؛ لأنَّ ما بعدَ وِلَادَةِ الأوَّلِ دَمٌ بعدَ الوِلَادَة، فكان نِفَاسًا، كالمُنْفَرِدِ، وآخِرُه منه؛ لأنَّ أوَّلَه منه، فكان آخِرُه منه، كالمُنْفَرِدِ. واخْتَلَفَ أصْحَابُنا في الرِّوَايَةِ الثَّانِيةِ، فقال الشَّرِيفُ أبو جعفر، وأبو الخَطَّاب فِي "رُءُوسِ المَسَائِلِ": هي أنَّ أوَّلَهُ مِن الأوَّلِ وآخِرَهُ مِن الثَّانِى. وهذا قولُ القاضي، فِي كتاب "الرِّوَايَتَيْن"؛ لأنَّ الثَّانِى وُلِدَ فلا تَنْتَهِى مُدَّةُ النِّفَاسِ قبلَ انْتِهَائِها منه، كالمُنْفَرِدِ، فعلى هذا تَزِيدُ مُدَّةُ النِّفاسِ على الأربعين في حَقِّ مَنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْن. وقال القاضي أبو الحسين، في "مَسَائِلِهِ"، وأبو الخَطَّابِ. في "الهِدَايَةِ": الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أنَّه مِن الثَّانِى فقط. وهذا قولُ زُفَرَ؛ لأنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ مُدَّةٌ تَتَعَلَّقُ بالوِلَادَة،
---------------
(٨) في م: "من".
(٩) النطفة: ماء الرجل والمرأة. والعلقة: المنى ينتقل بعد طوره فيصير دما غليظا متجمدا.
(١٠) في م: "بضعة". والمضغة: المنى ينتقل من طور العلقة فيصير لحما.

الصفحة 431