كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 1)

أَمْسَكَتْ عن الصَّلَاةِ. وقال يعقوبُ ابنُ بختان (٦): سألتُ أحمدَ عن المَرْأَةِ إذا ضَرَبَها المَخَاضُ قبل الوِلَادَةِ بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ تُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ قال: لا. وقال إبراهيمُ النَّخَعِيُّ: إذا ضَرَبَها المَخَاضُ فرأتِ الدَّمَ، قال: هو حَيْضٌ. وهذا قولُ أهْلِ المدينةِ، والشَّافِعِىِّ. وقال عَطَاءٌ: تُصَلِّى، ولا تَعُدُّهُ حَيْضًا ولا نِفَاسًا. ولَنا، أنَّه دَمٌ خَرَجَ بِسَبَبِ الوِلَادَةِ، فكان نِفَاسًا، كالخَارِجِ بعدَه، وإنَّما يُعْلَمُ خُرُوجُهُ بِسَبَبِ الوِلَادَةِ إذا كان قَريبًا منها، ويُعْلَمُ ذلك بِرُؤْيَةِ أمارَاتِها؛ مِنَ المَخَاضِ، ونحوهِ في وَقْتِه. وأمَّا إنْ رَأتِ الدَّمَ مِنْ غيرِ عَلَامَةٍ على قُرْبِ الوَضْعِ، لم تَتْرُكْ له العِبَادَةَ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّه دَمُ فَسَادٍ. فإنْ تَبَيَّنَ كَوْنُه قَرِيبًا مِن الوَضْعِ، كَوَضْعِهِا (٧) بَعْدَه بيومٍ أوْ بِيَوْمَيْنِ، أعادَتِ الصَّوْمَ المَفْرُوضَ إنْ صامَتْه فيه. وإنْ رأتْهُ عندَ عَلَامَةٍ على الوَضْعِ، تَرَكَتِ العِبَادَةَ. فإِنْ تَبَيَّنَ بُعْدَهُ عنها أعَادَتْ ما تَرَكَتْهُ مِنَ العِبَادَاتِ الوَاجِبَة؛ لأنَّها تَرَكَتْها مِنْ غيرِ حَيْضٍ ولا نِفَاسٍ.

١٠٧ - مسألة؛ قال: (وإذَا رَأتِ الدَّمَ ولَهَا خَمْسُونَ سَنَةً، فلَا تَدَعُ الصَّوْمَ، ولَا الصَّلَاةَ، وتَقْضِى الصَّوْمَ احْتِيَاطًا، فإنْ رَأتْهُ بَعْدَ السِّتِّين، فَقَدْ زَالَ الإِشْكَالُ؛ وتُيُقِّنَ أنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَتَصُومُ وتُصَلِّى، وَلَا تَقْضِى)
اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عن أحمدَ، رَحِمَهُ اللهُ، في هذه المسألةِ؛ فالذى نَقَلَ الْخِرَقِىُّ ههنا، أنَّها لا تَيْأَسُ مِن الحَيْضِ يَقِينًا إلى سِتِّينَ سَنَةً، وما تَرَاهُ فيما بينَ الخَمْسِين والسِّتِّين مَشْكُوكٌ فيه، لا تَتْرُكُ له الصَّلَاةَ ولا الصَّوْمَ؛ لأنَّ وُجُوبَهُما مُتَيَقَّنٌ فلا يَسْقُطُ بالشَّكِّ، وتَقْضِى الصَّوْمَ المَفْرُوضَ احْتِيَاطًا، لأنَّ وُجُوبَهُ كانَ مُتَيَقَّنًا، وما صامَتْهُ في زَمَنِ الدَّمِ مَشْكُوكٌ في صِحَّتِه، فلا يَسْقُطُ به ما تَيَقَّنَ وُجُوبُهُ. ورُوِىَ عنه ما يَدُلُّ على أنَّها بعدَ الخَمْسِين لا تَحِيضُ. وكذلك قال إسحاقُ بنُ رَاهُويَه: لا يكونُ حَيْضًا بعدَ الخَمْسِين، ويكونُ حُكْمُها فيما تَرَاهُ مِن الدَّمِ حُكْمَ
---------------
(٦) أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن بختان، كان جار الإمام أحمد وصديقه، وروى عنه مسائل صالحة كثيرة. طبقات الحنابلة ١/ ٤١٥، ٤١٦.
(٧) في م: "كوضعه".

الصفحة 445