كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 1)

أحمدُ، في المَرْأَةِ الكَبِيرَةِ تَرَى الدَّمَ: لا يكونُ حَيْضًا، هو بِمَنْزِلَةِ الجُرْحِ، وإنْ اغْتَسَلَتْ فحَسَنٌ. وقال عَطَاءٌ: هي بمَنْزِلَةِ المُسْتَحَاضَةِ. ومعنى القَوْلَيْنِ وَاحِدٌ؛ وذلك لأنَّ هذا الدَّمَ إذا لم يكنْ حَيْضًا فهو دَمُ فَسَادٍ، وحُكْمُها حُكْمُ المُسْتَحَاضَةِ ومَنْ به سَلَسُ البَوْلِ، على ما مَرَّ حُكْمُهُما.

فصل: وأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ له المَرْأَةُ تِسْعُ سِنِينَ؛ لأنَّ الصَّغِيرَةَ لا تَحِيضُ، بِدَلِيلِ قولِ اللهِ تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (٤). ولِأنَّ المَرْجِعَ فيه إلى الوُجُودِ، ولم يُوجَدْ مِن النِّسَاءِ مَنْ يَحِضْنَ عادَةً فيما دوُنَ هذا السِّنِّ، ولأنَّ دَمَ الحَيْضِ إنَّما خَلَقَه اللهُ لِحِكْمَةِ تَرْبِيَةِ الحَمْلِ به، فمَنْ لا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ لا تُوجَدُ فيها حِكْمَتُه، فيَنْتَفِى لِانْتِفَاءِ حِكْمَتِه كالمَنِىّ، فإنَّهما مُتَقَارِبانِ في المَعْنَى، فإنَّ أَحدَهُما يُخْلَقُ مِنه الوَلَدُ، والآخَرُ يُرَبِّيهِ ويُغَذِّيه، وكُلُّ وَاحِدٍ مِنهما لا يُوجَدُ مِن صَغِيرٍ، ووُجُودُهُ عَلَمٌ على البُلُوغِ، وأقَلُّ سِنٍّ تَبْلُغُ له الجارِيَةُ تِسْعُ سِنِينَ، فكان ذلك أقَلَّ سِنٍّ تَحِيضُ له الجارية (٥)، وقد رُوِىَ عن عائشة أنَّها قالتْ: إذا بَلَغَتِ الجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فهى امْرَأَةٌ (٦). ورُوِىَ ذلك مَرْفُوعًا إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمُرَادُ به حُكْمُها حُكْمُ المَرْأَةِ. وهذا قَوْلُ الشَّافِعِىِّ. وقد حُكِىَ عنه أَنَّه قال: رَأَيْتُ جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً. وهذا يَدُلُّ على أَنَّها حَمَلَتْ لِدُون عَشْرِ سِنِينَ، وحَمَلَتْ ابْنَتُها لمِثْلِ ذلك. فعلى هذا إذا رَأتْ بِنْتُ تِسْعِ سِنِين دَمًا، تَرَكَتِ الصَّلَاةَ؛ لأنَّها رَأتْه في زَمَنٍ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ، فإنِ اتَّصَلَ يومًا وليلةً فهو حَيْضٌ، يَثْبُتُ (٧) به بُلُوغُها، ونُثْبِتُ فيه أحْكامَ الحَيْضِ كلها. وإن انْقَطَعَ لِدُون ذلك، فهو دَمُ فَسَادٍ، لا يَثْبُتُ به شيءٌ ممَّا ذَكَرْنا. وإنْ رأتِ الدَّمَ لِدُون تِسْعِ سِنِينَ، فهو دَمُ فَسَادٍ على كُلِّ حَالٍ؛ لأنَّه لا يَجُوزُ أنْ يكونَ حَيْضًا. وقد رَوَى المَيْمُونِىُّ، عن أحمدَ، في بِنْتِ عَشْرٍ رأتِ الدَّم، قال:
---------------
(٤) سورة الطلاق ٤.
(٥) سقط من: م.
(٦) أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٩.
(٧) في م: "ويثبت".

الصفحة 447