كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: تقديم)

وقال: وكان يصلِّى بخشوع، ولا يكاد يصلى سنة الفجر والعشاءين إلا في بيته، وكان يصلى بين العشاءين أربعا بـ "السجدة" و"يس" و"الدُّخان" و"تبارك"، لا يكاد يُخِلُّ بهنّ، ويقوم السَّحرَ بسُبْع، وربما رفع صوته، وكان حسن الصوت.
وجاءه مرة الملك العزيز ابن العادل يزوره، فصادفه يصلى، فجلس بالقرب منه إلى أن فرغ من صلاته، ثم اجتمع به، ولم يتجوز في صلاته.
أما عقيدته، فيقول عنه سبط ابن الجوزى: وكان صحيح الاعتقاد، مُبْغِضا للمشبهة، وقال: من شرط التشبيهات أن نرى الشيء ثم نُشبِّهُه، مَن رأى اللَّه تعالى حتى يُشبِّهه لنا! ! قلت: قوله: من رأى اللَّه حتى يشبهه لنا. كلام حسن، في غاية الجودة؛ لأن الذي رآه بعينى رأسه قال: رأيت ربِّى. وسكت عن التشبيه، فيسعنا ما وسعه (١).
ويقول ابن رجب: ولم يكن يرى الخوض مع المتكلمين في دقائق الكلام، وكان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره، لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات، ويأمر بالإِقرار والإِمرار لما جاء في الكتاب والسنة من الصفات، من غير تفسير (٢) ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تحريف، ولا تأويل ولا تعطيل.
وله نظم كثير حسن، وقيل: إن له قصيدة في عَوِيص اللغة طويلة، وله مقطعات من الشعر؛ فمن شعره قوله (٣):
أتَغْفُلُ يا ابنَ أحمدَ والمَنايا ... شَوارِعُ يَخْتَرِمْنَكَ عن قريبِ
أغَرَّك أن تَخَطَّتْك الرَّزايا ... فكم للموتِ مِن سَهمٍ مُصيبِ
كُئوسُ الموتِ دائرَةٌ علينا ... وما للمرء بُدٌّ مِن نصيبِ
إلى كم تجعلُ التَّسْويفَ دَأْبًا ... أما يكْفيكَ إنْذارُ المَشيبِ
أما يكْفيك أنَّك كلَّ حينٍ ... تَمُرُّ بقَبْرِ خِلٍّ أو حبيبِ
كأنَّك قد لحقْتَ بهم قريبًا ... ولا يُغْنيك إفراطُ النَّحِيبِ
---------------
(١) انظر كلام أبى شامة في عقيدته، في ذيل الروضتين ١٣٩، ورد الذهبي عليه في سير أعلام النبلاء ٢٢/ ١٧١، ١٧٢.
(٢) كذا وردت. ولعلها: "تشبيه".
(٣) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ١٤١.

الصفحة 9