كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 2)

اسْتُحِبَّ (٢٨) لِيَنْكَسِرَ الحَرُّ، ويَتَّسِعَ فَىْءُ الحِيطَانِ، ويَكْثُرَ السَّعىُ إلى الجَمَاعَاتِ، ومَنْ لَا يُصَلِّى في جماعةٍ لا حاجةَ به إلى التَّأْخِير. وقال القَاضِى في "الجَامِعِ" (٢٩): "فَرْقَ بين البُلْدَانِ الحَارَّةِ وغَيْرِها، [ولا بين كَوْنِ] (٣٠) المسجدِ يَنْتَابُه النَّاسُ أوْ لا، فإنَّ أحمدَ، رَحِمَه اللهُ، كان يُؤَخِّرُهَا في مسجدِه. ولم يكنْ بهذه الصِّفَةِ. والأَخْذُ بِظَاهِرِ الخَبَرِ أَوْلَى. ومعنى الإِبْرَادِ بها، تَأْخِيرُهَا حتى يَنْكَسِرَ الحَرُّ، ويَتَّسِعَ فَىْءُ الحِيطَانِ، وفي حديث أبى ذَرِّ: أن النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للمُؤَذِّن (٣١): "أَبْرِدْ" حتى رَأَيْنا فَىْءَ التُّلُول (٣٢) وهذا إنَّما يكون مع كَثْرَةِ تَأْخِيرِهَا، ولَا يُؤَخِّرها إلى آخِرِ وَقْتِهَا، بل يُصَلِّيها في وقتٍ إذا فَرَغَ يكونُ بَيْنَه وبين آخِرِ الوَقْتِ فَضْلٌ، وقد رَوَى ابْنُ مَسْعُود، قال: كان قَدْرُ صلاةِ (٣٣) رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصيفِ ثلاثةَ أقدَامٍ، وفى الشتاءِ خَمْسَةَ أقدامٍ إلى سَبْعَةِ (٣٤) أقْدَامٍ. رَوَاهُ أبو داوُد والنَّسَائِىُّ (٣٥).
فأمَّا الجُمُعَةُ فيُسَنُّ تَعْجِيلُها في كلِّ وقتٍ بعد الزَّوَالِ هن غَيْرِ إبْرَادٍ؛ لأنَّ سَلَمَةَ بنَ الأكْوَعِ، قال: كُنَّا نُجَمِّعُ مع رسول اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا زالَتِ الشَّمْسُ. مُتَّفَقٌ عليه (٣٦). ولم يَبْلُغْنَا أنه أخَّرَها، بل كان يُعَجِّلُها، حتى قال سَهْلُ بن سعدٍ: ما كُنَّا
---------------
(٢٨) في م: "يستحب".
(٢٩) ذكر ابن أبي يعلى من مصنفات والده القاضي محمد بن الحسين "قطعة من الجامع الكبير" فيها الطهارة وبعض الصلاة والنكاح والصداق والخلع والوليمة والطلاق، و"الجامع الصغير". طبقات الحنابلة ٢/ ٢٠٥، ٢٠٦.
(٣٠) في الأصل: "ولا يتركون" تحريف.
(٣١) سقط من: م.
(٣٢) هذا من قول أبى ذر، وتقدم قريبا تخريج الحديث.
(٣٣) سقط من: م.
(٣٤) في النسخ: "تسعة". والتصويب من أبي داود والنسائي.
(٣٥) أخرجه أبو داود، في: باب في وقت صلاة الظهر. سنن أبي داود ١/ ٩٦. والنسائي، في: باب آخر وقت الظهر، من كتاب المواقيت. المجتبى ١/ ٢٠١.
(٣٦) أخرجه البخاري، في: باب غزوة الحديبية، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ١٥٩. ومسلم، في: باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم ٢/ ٥٨٩. كما أخرجه النسائي =

الصفحة 37