كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 2)

فأمَّا مع المَشَقَّةِ على المَأْمُومِينَ أو بَعْضِهِم فلا يُسْتَحَبُّ، بل يُكْرَهُ. نَصَّ عليهِ أحمدُ، رحِمَهُ اللهُ، قال الأَثْرَمُ: قلتُ لأبِى عبدِ اللهِ: كم قدْرُ تَأْخِيرِ العِشَاءِ؟ فقال ما قَدَرَ (٧٦) يُؤَخِّرُهَا بعد أنْ لا يَشُقَّ على المَأْمُومِينَ. وقد تَرَكَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَأْخِيرَ العِشَاءِ، والأمْرَ بتَأْخِيرِهَا، كراهيَةَ المَشَقَّةِ على أُمَّتِهِ، وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ شَقَّ عَلَى أُمَّتِى شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ" (٧٧). وإنما نُقِلَ التَّأْخِيرُ عنه مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ، ولعلهُ كان لشُغْلٍ، أو بيانِ (٧٨) آخِرِ الوقتِ، وأما في سائِرِ أوقاتِهِ فإنَّما (٧٩) كان يُصَلِّيها، على ما رَوَاهُ جابِر، أحيانًا وأحيانًا، إذا رَآهُمْ قد اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وإذا رَآهُمْ قد أبْطَأُوا أَخَّرَ (٨٠). وعلى ما رَوَاهُ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيرٍ، أنه كان يُصَلِّى العِشَاءَ لِسُقُوطِ القمَر لثَالِثَةٍ (٨١). فَيُسْتَحَبُّ للإِمامِ الاقْتَدَاءُ بالنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في إحْدَى هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ، ولا يُؤَخِّرها تأخيرًا يَشُقُّ على المَأْمُومِينَ؛ فإنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمُرُ بِالتَّخْفِيفِ، رِفْقًا بالمَأْمُومِينَ، وقال: "إنِّي لأَدْخُلُ في الصَّلَاةِ، وأنَا أرِيدُ إطَالَتَها، فأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ، فأُخَفِّفُهَا كَرَاهِيَةَ أنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ". مُتَّفَقٌ عليه (٨٢).
---------------
(٧٦) في م: "قد".
(٧٧) لم نجده بهذا اللفظ، وعن عائشة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا، فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ". أخرجه مسلم، في: باب فضيلة الإمام العادل، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم ٣/ ١٤٥٨. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٦٢، ٩٣، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٦٠.
(٧٨) في م: "إتيان".
(٧٩) في م: "فإنه".
(٨٠) تقدم حديث جابر، في صفحة ٣٣.
(٨١) تقدم حديث النعمان بن بشير، في صفحة ٢٦.
(٨٢) أخرجه البخاري، في: باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبى، وباب انتظار الناس قيام الإمام العالم، من كتاب الأذان. صحيح البخاري ١/ ١٨١، ٢١٩. ومسلم، في: باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم ١/ ٣٤٣. كما أخرجه أبو داود، في: باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٨٢. والترمذي، في: باب ما جاء أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إني لأسمع بكاء الصبى في الصلاة فأخفف، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ١٦٩. والنسائي، في: باب ما على الإمام من التخفيف، من كتاب الإِمامة. وابن ماجه، في: باب الإمام يخفف الصلاة إذا حدث أمر، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣١٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٣٠٥. وانظر: المسند ٣/ ١٠٩، ١٥٣، ١٥٦، ١٨٢، ٢٠٥، ٢٣٣، ٢٤٠، ٢٥٧.

الصفحة 43