كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 2)

الشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا، ليَحْصُلَ لهُ الإِخْلَاصُ بهما، فإن الإِخلاصَ في الإِسْرَارِ بهما أبْلَغُ من قولِه (٧) إعْلَانًا للإعلامِ، وخَصَّ أُبا مَحْذُورَةَ بذلكَ، لأنَّه لم يَكُنْ مُقِرًّا بهما حينئذٍ، فإنَّ في الخَبَرِ أنه كان مُسْتَهْزِئا يَحْكِى أذانَ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسَمِعَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَوْتَهُ، فَدَعاهُ، فأمَرَهُ بالأذَانِ، قال: ولا شىءَ عندى أبْغَضُ من النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا ممَّا يَأْمُرُنِى بهِ. فقَصَدَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نُطْقَه بِالشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا لِيُسْلِمَ بذلك، ولا يُوجَدُ هذا في غيره، ودليلُ هذا الاحْتِمال كَوْنُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَأْمُرْ بِهِ بِلَالًا، ولا غيرَه مِمَّنْ كانَ مُسْلِمًا ثَابِتَ الإِسلامِ. واللهُ أعلمُ.

١٢٢ - مسألة؛ قال: (والإِقَامَةُ: اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ، أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ، أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ، لَا إلهَ إلَّا اللهُ)
وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفة: الإِقامةُ مثل الأذانِ، ويَزِيدُ الإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، أنَّ الذِى عَلَّمَهُ الأذانَ أمْهَلَ هُنَيْهَةً (١)، ثم قامَ فقال مِثْلَها. رَوَاهُ أبو داود (٢). ورَوَى ابن مُحَيْرِيزٍ، عن أبِى مَحْذُورَةَ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- علَّمَهُ الإِقامةَ سَبْعَ عَشرةَ كَلِمَةً (٣). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ. وقال مالكٌ: الإِقامةُ عَشْرُ كَلِمَاتٍ، تقولُ: قد قامتِ الصلاةُ مَرَّةً واحدةً؛ لِما رَوَى أنَسٌ، قال: أُمِرَ بِلَالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذانَ، ويُوتِرَ الإِقامةَ. مُتَّفَقٌ عليه (٤). ولَنا، ما رَوَى عبدُ اللهِ بنُ عمرَ أنَّه قال، إنَّما كان الأذانُ على عهدِ
---------------
(٧) في م: "قولهما".
(١) في سنن أبي داود: "هُنَيَّةً".
(٢) في: باب كيف الأذان، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٢١.
(٣) أخرجه أبو داود، في: باب كيف الأذان، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١١٨. والترمذي، في: باب ما جاء في الترجيع في الأذان، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ١/ ٣٠٨. والنسائي، في: باب كم الأذان من كلمة، من كتاب الأذان. المجتبى ٢/ ٥. وابن ماجه، في: باب الترجيح في الآذان، من كتاب الأذان. سنن ابن ماجه ١/ ٢٣٥. والدارمى، في: باب الترجيع في الأذان، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي ١/ ٢٧١. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤٠٩، ٦/ ٤٠١.
(٤) أخرجه البخاري، في: باب بدء الأذان، وباب الأذان مثنى مثنى، وباب الإِقامة واحدة إلا قوله: قد =

الصفحة 58