كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 2)

الوقتِ كَثِيرًا، إذا كانَ المَعْنَى فيه ما ذَكَرْنَاهُ، فيَفُوتُ المَقْصُودُ منهُ. وقد رُوىَ أنَّ بلَالًا كانَ بين أذَانِهِ وأذانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنْ يَنْزِلَ هذا ويَصْعَدَ هذا (١٨). ويُسْتَحَبُّ أيضًا أنْ لا يُؤَذَّنَ قبلَ الفجرِ، إلَّا أنْ يكونَ معهُ مُؤَذِّنٌ آخَرُ يُؤَذِّنُ إذا أصْبَحَ. كفِعْلِ بلَالٍ وابْنِ أم مَكْتُومٍ؛ اقتِدَاءً برسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأنَّه إذا لم يكن كذلك لم يَحْصُل الإِعلامُ بالوقتِ المقصُودِ بالأذانِ، فإذا كانَا مُؤَذِّنَيْنِ حَصَل الإِعْلَامُ بالوقت بِالثَّانِى، وبِقُرْبِهِ بِالمُؤَذِّنِ الأوَّلِ.

فصل: وينْبَغِى لِمَنْ يُؤَذِّن قبلَ الوقتِ أنْ يَجْعَلَ أذانَهُ في وقتٍ واحدٍ في الليالى كُلِّها؛ ليَعْلَمَ الناسُ ذلك من عادَتِه، فيَعْرِفُوا الوقتَ بأذانِه، ولا يُؤَذِّنُ في الوقتِ تارةً وقَبْلَهُ أُخْرَى، فَيَلْتَبِس على الناسِ ويَغْتَرُّوا بأذَانِهِ، فَرُبَّمَا صلَّى بَعْضُ مَنْ سَمِعَه الصبحَ بِنَاءً على أذانِهِ قبلَ وقتِها، وربَّمَا امْتَنَعَ المُتَسَحِّرُ من سَحُورِه، والمُتَنَفِّلُ من صَلَاتِهِ، بِنَاءً على أذانِهِ [قبلَ وقْتِها] (١٩)، ومَنْ عَلِمَ حالَهُ لا يَسْتَفِيدُ بأذَانِهِ فائدةً؛ لتَرَدُّدِهِ بين الاحِتماليْنِ. ولا يُقَدِّمُ الأذان كثيرًا تارةً ويُؤَخِّرُه أُخْرَى، فلا يُعْلَمُ الوقتُ بأذانِه، فَتَقِلُّ فائدتُه.

فصل: قال بعضُ أصحابِنَا: ويجوزُ الأذانُ للفجْرِ بعدَ نصفِ الليلِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ بذلك يَخْرُجُ وقتُ العِشَاءِ المُخْتَار، ويَدْخُلُ وقتُ الدَّفْعِ من مُزْدَلِفَةَ؛ ووقتُ رَمْىِ الجَمْرَةِ، وطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وقد رَوَى الأثْرَمُ، عن جابِرٍ، قال: كان مُؤَذِّنُ مسجدِ دمشْقَ يُؤَذِّنُ لصلاةِ الصبحِ في السَّحَرِ بِقدْرِ ما يسيرُ الرَّاكِبُ سِتَّةَ أمْيَالٍ، فلا يُنْكِرُ ذلك مَكْحُولٌ، ولا يقُولُ فيه شيئًا.

فصل: ويُكْرَهُ الأذانُ قبلَ الفجرِ في شهرِ رمضانَ. نَصَّ عليهِ أحمدُ، في رِوايةِ الجماعةِ، لئلَّا يَغْتَرَّ الناسُ بهِ فيتْرُكُوا سَحُورَهم. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُكْرَهَ في حقِّ مَنْ
---------------
= وفى: باب كيف الفجر، من كتاب الصيام. المجتبى ٢/ ١٠، ٤/ ١٢١، ١٢٢.
(١٨) انظر تخريج حديث: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" المتقدم في صفحة ٦٣.
(١٩) سقط من: م.

الصفحة 65