كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 3)

الأبْعَدِ أو الأقْرَبِ؟ فيه رِوَايتانِ: إحْدَاهما قَصْدُ الأبْعَدِ؛ لِتَكْثُرَ خُطَاهُ في طَلَبِ الثَّوَابِ [فَتَكُون حَسناتُه أكْثَرَ] (٢٦). والثانية، الأقْرَب؛ لأنَّ له جِوَارًا، فكان أَحَقَّ بصلاتِه كما أنَّ الجَارَ أَحَقُّ بِهَدِيَّةِ جَارِه ومَعْرُوفِه من البَعِيدِ. وإنْ كان البَلَدُ ثَغْرًا، فالأفْضَلُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ في مَسْجِدٍ واحدٍ ليَكُونَ أعْلَى للكَلِمَةِ، وأوْقَعَ لِلْهَيْبَةِ، وإذا جاءهُم خَبَرٌ عن عَدُوِّهِمْ سَمِعَهُ جَمِيعُهم، وإن أرَادُوا التَّشَاوُرَ في أمْرٍ حَضَرَهُ (٢٧) جَمِيعُهم، وإنْ جاءَ عَيْنٌ لِلكُفَّارِ (٢٨) رَآهُم فأخْبَرَ بِكَثْرَتِهِم. قال الأوْزَاعِىُّ: لو كان الأَمْرُ إلَىَّ لَسَمَّرْتُ أبْوَابَ المَسَاجِدِ التي في الثُّغُورِ (٢٩). أو نحو هذا. لِيَجْتَمِعَ النّاسُ في مَسْجِدٍ واحِدٍ.

فصل: ولا يُكْرَهُ إعادةُ الجماعةِ في المسجِدِ، ومعناه أنَّه إذا صَلَّى إمامُ الحَىِّ، وحَضَرَ جمَاعةٌ أُخْرَى، اسْتُحِبَّ لهم أنَ يُصَلُّوا جَمَاعَةً، وهذا (٣٠) قولُ ابنِ مسعودٍ، وعَطاءٍ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، وقَتَادَةَ، وإسحاقَ. وقال سَالِمٌ، وأبو قِلَابَةَ، وأيُّوبُ، وابنُ عَوْنٍ، واللَّيْثُ، والبَتِّىُّ (٣١)، والثَّوْرِىُّ، ومالِكٌ، وأبو حَنِيفَةَ، والأوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ: لا تُعَادُ الجَمَاعَةُ في مَسْجِدٍ له إمامٌ رَاتِبٌ، في غير مَمَرِّ النَّاسِ. فمَن فاتَتْهُ الجَمَاعَةُ، صَلَّى مُنْفَرِدًا؛ لئلا يُفْضِى إلى اخْتِلَافِ القُلُوبِ والعَدَاوَةِ والتَّهاوُنِ في الصَّلَاةِ مع الإِمامِ، ولأنَّه مَسْجِدٌ له إمامٌ رَاتِبٌ، فَكُرِهَ فيه إعادةُ الجمَاعةِ، كمسجدِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولَنا، عُمُومُ قَوْلِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلَاةُ
---------------
(٢٦) في أ، م: "فتكثر حسناته".
(٢٧) في م: "حضر".
(٢٨) في أ، م: "الكفار".
(٢٩) في أ، م: "الثغر".
(٣٠) في م: "وهو".
(٣١) أبو عمرو عثمان بن سليمان البتى، من فقهاء البصرة، وهو من أهل الكوفة، وانتقل إلى البصرة، ومات سنة ثلاث وأربعين ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي ٩١.

الصفحة 10