كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 3)

والحَرامِ. قيل لأبي عبدِ اللهِ: حَدِيثُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرُوا أبَا بَكْرٍ يُصَلِّى (١٣) بالنَّاسِ". أهو خِلَافُ حَدِيثِ أبى مَسْعُودٍ؟ قال: لا، إنما قَولُه لأبِى بكْرٍ - عندى - "يُصَلِّى بالنَّاسِ" لِلْخِلافَةِ، يعني أن الخَلِيفَةَ أحَقُّ بالإِمامَةِ، وإن كان غيرُه أقْرأَ منه، فأَمْرُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكرٍ بالصَّلَاةِ يَدُلُّ على أنَّه أرَادَ اسْتِخْلافَهُ.

فصل: ويُرَجَّحُ أحَدُ القَارِئَيْنِ على الآخَرِ بِكَثْرَةِ القُرْآنِ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا". وإن تَسَاوَيا في قَدْرِ ما يَحْفَظ كلُّ واحِدٍ منهما، وكان أحَدُهُما أجْوَدَ قِرَاءَةً وإعْرَابًا فهو أوْلَى؛ لأنَّه أقْرأُ، فَيَدْخُلُ في عُمُومِ قَوْلِه: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ". وإنْ كان أحَدُهما أكْثَرَ حِفْظًا، والآخَرُ أقَلَّ لَحْنًا وأجْوَدَ قِرَاءَةً، فهو أوْلَى؛ لأنَّه أعْظَمُ أجْرًا في قِرَاءَتِه؛ لقولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، ومَنْ قَرَأهُ ولَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (١٤)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

٢٤٩ - مسألة؛ قال: (فَإنِ اسْتَوَوْا فَأفْقَهُهُمْ)
وذلك لِقَوْلِ رَسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإنْ كانُوا فِى القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأعْلَمُهُمْ بالسُّنَّةِ"، ولأن الفِقْهَ يُحْتَاجُ إليه في الصَّلَاةِ لِلإِتْيَانِ بوَاجِبَاتِها وسُنَنِها، وجَبْرِها إن عَرَضَ ما يُحْوِجُ إليه فيها، فإن اجْتَمَعَ فَقِيهَانِ قارِئَانِ، وأَحَدُهما أقْرأُ، والآخَرُ
---------------
(١٣) كذا، وسبق تخريجه في ٢/ ٣٧٦. بلفظ: "فلْيُصَلِّ".
(١٤) لم نجده في الترمذي بهذا اللفظ ولا قريب منه. وقد أورد السيوطي في الجامع الكبير حديثا يقاربه في المعنى باختلاف الألفاظ صفحة ٨١٧ وعزاه للبيهقي في شعب الإيمان.

الصفحة 14