كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 3)

ولو أَمَّ الرَّجُلُ عَبْدَه أو زَوْجَتَه أدْرَكَ فَضِيلَةَ الجَمَاعَةِ، وإن أَمَّ صبِيًّا جَازَ في التَّطَوُّعِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَّ فيه ابْنَ عَبَّاسٍ وهو صَبِىٌّ. وإن أَمَّهُ في الفَرْضِ، فقال أحمدُ: لا تَنْعَقِدُ به الجَمَاعَةُ؛ لأنَّه لا يَصْلُحُ أن يَكُونَ إمَامًا؛ لِنَقْصِ حَالِه، فَأَشْبَهَ مَنْ لا تَصِحُّ صَلَاتُه. وقال أبو الحسنِ الآمِدِىُّ: فيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يَصِحُّ [أنْ يَكونَ إمَامًا] (١٦)؛ لأنَّه مُتَنَفِّلٌ، فَجَازَ أن يكونَ مَأْمُومًا بالمُفْتَرِضِ، كالبالِغِ، ولذلك قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرَّجُلِ الذي فاتَتْهُ الجَمَاعَةُ: "منَ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّى مَعَهُ" (١٧).

فصل: ويَجُوزُ فِعْلُها في البَيْتِ والصَّحْرَاءِ، وقِيلَ فيه رِوَايَةٌ أُخْرَى: إن حُضورَ المَسْجِدِ واجِبٌ إذا كان قَرِيبًا منه؛ لأنَّه رُوِىَ (١٨) عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "لا صَلاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إلَّا في المَسْجِدِ" (١٩) ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِى: جُعِلَتْ لي الأَرْضُ طَيِّبةً وطَهُورًا ومَسْجِدًا، فأَيُّما رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حيثُ كانَ". مُتَّفَقٌ عليه (٢٠). وقالت عائشةُ: صَلَّى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْتهِ، وهو شَاكٍ (٢١) فصَلَّى جَالِسًا، وصَلَّى وَرَاءَه قَوْمٌ قِيَامًا، فأَشَارَ إليهم أن اجْلِسُوا. رَوَاهُ البُخَارِىُّ (٢٢)، وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِرَجُلَيْنِ:
---------------
(١٦) سقط من: أ.
(١٧) أخرجه أبو داود، في: باب في الجمع في المسجد مرتين، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٣٥. والترمذي، في: باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ٢١. والدارمى، في: باب صلاة الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي ١/ ٣١٨. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٥، ٦٤، ٨٥، ٥/ ٢٥٤، ٢٦٩.
(١٨) في م: "يروى".
(١٩) أخرجه الدارقطني، في: باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني ١/ ٤٢٠. وهو فيه عن جابر وأبي هريرة مرفوعا. كما أخرجه موقوفا على علىّ في نفس الموضع، وقد أشار المصنف إلى هذه الرواية الموقوفة كما سيأتي بعد قليل.
(٢٠) تقدم تخريجه في ١/ ١٣.
(٢١) وهو شاك: أي مريض.
(٢٢) في ازيادة: "ومسلم". وقد رواه البخاري، في: باب إنما جعل الإمام ليؤتم به. . .، من كتاب =

الصفحة 8