كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 4)

العِلْمِ فهو مُرْتَدٌّ، تَجْرِى عليه أحْكامُ المُرْتَدِّينَ ويُسْتَتَابُ ثلاثًا، فإن تابَ وإلَّا قُتِلَ؛ لأنَّ أدِلَّةَ وُجُوبِ الزَّكاةِ ظَاهِرَةٌ فى الكِتَابِ والسُّنَّةِ وإجْمَاعِ الأُمَّةِ، فلا تَكَادُ تَخْفَى [على مَن هذا] (١٣) حَالُه، فإذا جَحَدَها لا يكونُ إلَّا لِتَكْذِيبِهِ الكِتابَ والسُّنَّةَ، وكُفْرِه بهما.

فصل: وإن مَنَعَها مُعْتَقِدًا وُجُوبَها، وقَدَرَ الإمامُ على أخْذِهَا منه، أخَذَها وعَزَّرَهُ، ولم يَأْخُذْ زِيَادَةً عليها، فى قَوْلِ أكْثَر أَهْلِ العِلْمِ، منهم أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُهُم. وكذلك إن غَلَّ مَالَه فكَتَمَهُ حتى لا يَأْخُذَ الإمَامُ زَكَاتَه، فظَهَرَ عليه. وقال إسْحاقُ بن رَاهُويه وأبو بكرٍ عبدُ العزيزِ: يَأْخُذُها وشَطْرَ مالِه؛ لما رَوَى بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّهِ، عن النبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه كان يقولُ: "فى كُلِّ سَائِمَةِ الإِبِلِ، فى كُلِّ أرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لا تُفرَّقُ عَنْ حِسَابِهَا (١٤)، مَنْ أعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أجْرُهَا، ومَنْ أبَاهَا [فَإنَّا آخِذُوهَا] (١٥) وشَطْرَ مَالِه، عَزْمَةٌ من عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لا يَحِلُّ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَىْءٌ" وذُكِرَ هذا الحَدِيثُ لأحمدَ فقال: ما أَدْرِى ما وَجْهُهُ؟ وسُئِلَ عن إسْنَادِه. فقال: هو عِندِى صَالِحُ الإسْنادِ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، والأثْرَمُ (١٦)، والنَّسَائِىُّ، فى "سُنَنِهم" (١٧). وَوَجْهُ الأوَّل، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ فى المَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ" (١٨). ولأنَّ مَنْعَ الزَّكاةِ كان فى
---------------
(١٣) فى م: "على أحد ممن هذه".
(١٤) معناه أن المالك لا يفرق ملكه عن ملك غيره حيث كانا خليطين. عون المعبود ٣/ ١٢.
(١٥) فى م: "فإنى آخذها".
(١٦) سقط من: أ، م.
(١٧) فى أ، م: "سننهما".
أخرجه أبو داود، فى: باب فى زكاة السائمة، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود ١/ ٣٦٣. والنسائى، فى: باب عقوبة مانع الزكاة، وباب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلا لأهلها ولحمولتهم، من كتاب الزكاة. المجتبى ٥/ ١١، ١٧. كما أخرجه الدارمى، فى: باب ليس فى عوامل الإبل صدقة، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى ١/ ٣٩٦. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٢، ٤.
(١٨) أخرجه ابن ماجه، فى: باب ما أدى زكاته فليس بكنز، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه ١/ ٥٧٠.=

الصفحة 7