كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 4)

زَمَنِ أبى بكرٍ، رَضِى اللَّه عنه، [عَقِبَ مَوْتِ] (١٩) رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مع تَوَفُّرِ الصَّحابَةِ، رَضِىَ اللهُ عنهم، فلم يُنْقَلْ [عنهم أخْذُ] (٢٠) زيادةٍ، ولا قولٌ (٢١) بذلك. واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فى العُذْرِ عن هذا الخَبَرِ. فقيلَ: كان فى بَدْءِ الإسلامِ، حيثُ كانت العُقُوباتُ فى المالِ، ثم نُسِخَ بالحَدِيثِ الذى رَوَيْنَاهُ. وحَكَى الخَطَّابِىُّ (٢٢)، عن إبراهيمَ الْحَرْبِىِّ، أنَّه يُؤْخَذُ منه السِّنُّ الواجِبُ (٢٣) عليه مِن خِيَارِ مَالِهِ، من غيرِ زِيَادَةٍ فى سِنٍّ ولا عَدَدٍ، لكن يَنْتَقِى مِن خَيْرِ (٢٤) مَالِه ما تَزِيدُ به صَدَقَتُه فى القِيمَةِ بقَدْرِ (٢٥) شَطْرِ قِيمَةِ الوَاجِبِ عليه. فيكونُ المُرَادُ بـ "مالِه" هاهُنا الوَاجِبَ عليه من مَالِهِ، فيُزَادُ عليه فى القِيمَةِ بِقَدْرِ شَطْرِهِ، واللهُ أعلمُ. فأمَّا إن كان مَانِعُ الزَّكَاةِ خَارِجًا عن قَبْضَةِ الإمامِ قَاتَلَه؛ لأنَّ الصَّحابَةَ رَضِىَ اللَّه عنهم قَاتَلُوا مَانِعِيها، وقال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِىَ اللهُ عنه: لو مَنَعُونِى عِقَالًا كانوا يُؤَدُّونَهُ إلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقَاتَلْتُهُمْ عليه (٢٦). فإن ظَفِرَ به وبمَالِهِ، أخَذَها من غيرِ زِيَادَةٍ أيضًا، ولم تُسْبَ ذُرِّيَّتُه؛ لأنَّ الجِنَايَةَ من غيرهم، ولأنَّ المانِعَ لا يُسْبَى، فَذُرِّيَّته أوْلَى. وإن ظَفِرَ به دُونَ مَالِه، دَعَاهُ إلى أدَائِها، واسْتَتَابَهُ ثَلَاثًا، فإن تَابَ وأَدَّى، وإلَّا قُتِلَ، ولم يَحْكُمْ بكُفْرِهِ. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنه يَكْفُرُ بقِتَالِه عليها، فرَوَى المَيْمُونِىُّ عنه: إذا مَنَعُوا الزَّكَاةَ كما مَنَعُوا أبَا بَكْرٍ، وقَاتَلُوا عليها، لم يُوَرَّثُوا، ولم يُصَلَّ عليهم.
---------------
= وانظر تلخيص الحبير، لابن حجر ٢/ ١٦٠.
(١٩) فى ا، م: "بموت".
(٢٠) فى ب، م: "أحد عنهم".
(٢١) فى م: "قولا".
(٢٢) فى معالم السنن ٢/ ٣٣.
(٢٣) فى م: "الواجبة".
(٢٤) فى ا، ب: "خيار".
(٢٥) فى م: "تقدر". والعبارة فى معالم السنن: "فتزداد عليه الصدقة بزيادة شطر القيمة".
(٢٦) تقدم فى صفحة ٥.

الصفحة 8