كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 5)

الحَدِيثِ، ولأنَّه كان يُهْدِى الإبِلَ أَكْثَرَ، فكَثُرَ نَقْلُه.

فصل: ويُسَنُّ إشْعارُ الإِبِلِ والبَقَرِ، وهو أن يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِها الأيْمَنِ حتى يُدْمِيَها، فى قَوْلِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. وقال أبو حنيفةَ: هذا مُثْلَةٌ غيرُ جَائِزٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن تَعْذِيبِ الحَيَوَانِ (٣)، ولأنَّه إِيلَامٌ، فهو كقَطْعِ عُضْوٍ منه. وقال مَالِكٌ: إن كانت البَقَرَةُ ذَاتَ سَنَامٍ، فلا بَأْسَ بإشْعَارِها، وإلَّا فلا. ولَنا، ما رَوَتْ عائشةُ، رَضِىَ اللهُ عنها، قالت: فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْىِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أشْعَرَها وقَلَّدَها. مُتَّفَقٌ عليه (٤). رَوَاهُ ابنُ عَبّاسٍ، وغيرُه، وفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه على عُمُومِ ما احْتَجُّوا به، ولأنَّه إيلَامٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فجازَ، كالكَىِّ، والوَسْمِ، والفَصْدِ، والحِجَامَةِ. والغَرَضُ أن لا تَخْتَلِطَ (٥) بِغَيْرِهَا، وأن يَتَوَقَّاهَا اللِّصُّ، ولا يَحْصُلُ ذلك بِالتَّقْلِيدِ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أن يَنْحَلَّ ويَذْهَبَ. وقِياسُهم مُنْتَقِضٌ بِالكَىِّ والوَسْمِ. وتُشْعَرُ البَقَرَةُ؛ لأنَّها من البُدْنِ، فتُشْعَرُ كذاتِ السَّنَامِ. وأمَّا الغَنَمُ فلا يُسَنُّ إشْعَارُها؛ لأنَّها ضَعِيفَةٌ، وَصُوفُهَا وشَعْرُهَا يَسْتُرُ مَوْضِعَ إشْعَارِها. إذا ثَبَتَ هذا فالسُّنَّةُ الإِشْعارُ فى صَفْحَتِها اليُمْنَى. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال مَالِكٌ، وأبو يوسفَ: بل تُشْعَرُ فى صَفْحَتِها اليُسْرَى. وعن أحمدَ
---------------
(٣) أخرجه البخارى، فى: باب ما يكره من المثلة والمصبورة، من كتاب الذبائح. صحيح البخارى ٧/ ١٢٢. ومسلم، فى: باب النهى عن صبر البهائم، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم ٣/ ١٥٤٩، ١٥٥٠. والنسائي، فى: باب النهى عن المجثمة، من كتاب الضحايا. المجتبى ٧/ ٢١٠. والدارمى، فى: باب النهى عن مثلة الحيوان، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى ٢/ ٨٣. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٤٣، ١٠٣.
(٤) أخرجه البخارى، فى: باب من أشعر وقلد بذى الحليفة ثم أحرم، وباب إشعار البدن. . .، من كتاب الحج، وفى: باب الوكالة فى البدن. . .، من كتاب الوكالة. صحيح البخارى ٢/ ٢٠٧، ٣/ ١٣٤. ومسلم، فى: باب استحباب بعث الهدى. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٩٥٧، ٩٥٨.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب من بعث بهديه وأقام، من كتاب المناسك. سنن أبى داود ١/ ٤٠٧. والنسائى، فى: باب تقليد الإبل، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ١٣٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٦/ ٧٨، ٢٢٤، ٢٣٨.
(٥) فى م: "تخلط".

الصفحة 455