كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْبَيِّعَانِ بالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفرَّقَا". رَوَاهُ الأئِمَّةُ كُلُّهُمْ (٣). ورَوَاهُ عَبْدُ اللهِ ابنُ عُمَرَ، وعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وحَكِيمُ بنُ حِزَامٍ، وأبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ. واتُّفِقَ على حَدِيثِ ابن عمرَ، وحَكيمٍ، ورَوَاهُ عن نَافِعٍ، عن ابْنِ عمرَ، مَالِكٌ، وأيُّوبُ، وعُبَيْدُ اللهِ بنُ عمرَ، وابنُ جُرَيْجٍ، واللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، ويَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، وغَيْرُهم. وهو صَرِيحٌ فى حُكْمِ المَسْأَلةِ. وعَابَ كَثِيرٌ من أهْلِ العِلْمِ على مَالِكٍ مُخَالَفَتَهُ لِلْحَدِيثِ، مع رِوَايَتهِ له، وثُبُوتِه عِنْدَه، وقال الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ: لا أدْرِى هل اتَّهَمَ مَالِكٌ نَفْسَه أو نَافِعًا؟ وأُعْظِمُ أنْ أَقُولَ: عَبْدَ اللهِ بنَ عمرَ. وقال ابنُ أَبِى ذِئْبٍ: يُسْتَتَابُ مَالِكٌ فى تَرْكِه لهذا الحَدِيثِ. فإن قِيلَ: المُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ هَاهُنَا التَّفَرُّقُ بالأقْوَالِ، كما قال اللهُ تَعَالَى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (٤). وقال النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلَاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً" (٥). أىْ بِالأقْوالِ والاعْتِقادَاتِ. قلنا: هذا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ، منها، أنَّ اللَّفْظَ لا يَحْتَمِلُ ما قَالُوهُ؛ إذْ لَيْسَ بين المُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقٌ بقَوْلٍ (٦) ولا اعْتِقَادٍ، إنَّما بَيْنهما اتِّفَاقٌ على الثَّمَنِ والمَبِيعِ بعد الاخْتِلَافِ فيه. الثانى، أنَّ هذا يُبْطِلُ فَائِدَةَ الحَدِيثِ؛ إذْ قَدْ عُلِمَ أنهما بِالخِيَارِ قبلَ العَقْدِ فى إنْشَائِه وإتْمَامِه، أو تَرْكِهِ. الثالث، أنَّه قال فى الحَدِيثِ: "إذا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ منهما بِالْخِيَار". فجَعَلَ لهما الخِيارَ بعد تَبَايُعِهما، وقال: "وإنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أنْ تَبَايَعَا، ولم يَتْرُكْ أحَدُهُمَا البَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ". الرابع، أنَّه يَرُدُّهُ تَفْسِيرُ ابنِ عمرَ لِلْحَدِيثِ بِفِعْلِه، فإنَّه كان إذا بَايَعَ رَجُلًا مَشَى خُطُوَاتٍ؛ لِيَلْزَمَ البَيْعُ، وتَفْسِيرُ أبى بَرْزَةَ له، بِقَوْلِه على مِثْلِ قَوْلِنَا، وهما رَاوِيَا الحَدِيثِ، وأعْلَمُ بمَعْنَاهُ، وقَوْلُ عمرَ: البَيْعُ صَفْقَةٌ أو خِيَارٌ. معناه، أنَّ البَيْعَ يَنْقَسِمُ إلى بَيْعٍ شُرِطَ فيه الخِيَارُ،
---------------
(٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٦.
(٤) سورة البينة ٤.
(٥) أخرجه أبو داود، فى: باب شرح السنة، من كتاب السنة. سنن أبى داود ٢/ ٥٠٣. والترمذى، فى: باب ما جاء فى افتراق هذه الأمة، من أبواب الإيمان. عارضة الأحوذى ١٠/ ١٠٩. وابن ماجه، فى: باب افتراق الأمم، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه ٢/ ١٣٢١، ١٣٢٢. والدارمى، فى: باب فى افتراق هذه الأمة، من كتاب السير. سنن الدارمى ٢/ ٢٤١. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٣٣٢. ٣/ ١٤٥.
(٦) فى م: "بلفظ".
الصفحة 11
695