كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)
فكَذَلِكَ فى مُفَارَقَتِه لِصَاحِبِه. وقال القَاضِى: لا يَنْقَطِعُ الخِيَارُ؛ لأنَّه حُكْمٌ عُلِّقَ على التَّفَرُّقِ، فلم يَثْبُتْ مع الإكْرَاهِ، كما لو عُلِّقَ عليه الطَّلَاقُ. ولِأصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كهذَيْنِ. فعَلَى قَوْلِ مَنْ لا يَرَى انْقِطاعَ الخِيَارِ، إنْ أُكْرِهَ أحَدُهما على فُرْقَةِ صَاحِبِه، انْقَطَعَ خِيَارُ صَاحِبِه، كما لو هَرَبَ منه، وفَارَقَه بغيرِ رِضَاهُ، ويكونُ الخِيارُ لِلْمُكْرَهِ منهما فى المَجْلِسِ الذى يَزُولُ عنه فيه الإِكْرَاهُ، حتى يُفارِقَهُ، وإن أُكْرِهَا جَمِيعًا انْقَطَعَ خِيَارُهما؛ لأن كُلَّ وَاحِدٍ منهما يَنْقَطِعُ خِيَارُه بِفُرْقَةِ الآخَرِ له، فأَشْبَه ما لو أُكْرِهَ صَاحِبُه دُونَه. وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ من صُوَرِ الإِكْرَاهِ، ما لو رَأَيَا سَبُعًا أو ظَالِمًا خَشِيَاهُ، فهَرَبَا فَزَعًا منه، أو حَمَلَهما سَيْلٌ أو فَرَّقَتْ رِيحٌ بينهما.
فصل: وإن خَرِسَ أحَدُهما، قامَتْ إشارَتُه مَقامَ لَفْظِه، فإن لم تُفْهَمْ إشَارَتُه، أو جُنَّ، أو أُغْمِىَ عليه، قَامَ وَلِيُّه من الأَبِ، أو وَصِيُّه، أو الحَاكِمُ، مَقامَه، وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ. وإنْ مَاتَ أحَدُهما بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّه قَدْ تَعَذَّرَ منه الخِيارُ، والخِيارُ لا يُوَرَّثُ. وأما الباقى منهما فيَبْطُلُ خِيارُه أيضًا؛ لأنَّه يَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ، والتَّفَرُّقُ بِالمَوْتِ أَعْظَمُ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَبْطُلَ؛ لأنَّ التَّفَرُّقَ بالأبدَانِ لم يَحْصُلْ. فإنْ حُمِلَ المَيِّتُ بَطَلَ الخِيَارُ؛ لأنَّ الفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِالبَدَنِ والرُّوحِ مَعًا.
فصل: وقد رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّهِ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "البَائِعُ والمُبْتَاعُ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا أن تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، فلا يَحِلُّ له أن يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أن يسْتَقِيلَهُ". رَوَاهُ النَّسَائِىُّ، والأثْرَمُ، والتِّرْمِذِيُّ (١١)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وقَوْلُهُ: "إلا أن تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ". يَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ
---------------
(١١) أخرجه النسائي، فى: باب وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما بأبدانهما، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٢١. والترمذى، فى: باب ما جاء فى البيعين بالخيار ما لم يتفرقا، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٥٦.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى خيار المتبايعين، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٤٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٨٣.
الصفحة 14
695