كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)
ويَبْطُلَ خِيارُهُ. وفى خِيارِ البائِعِ رِوايَتانِ. وإن كان المَبيعُ غيرَ المَكيلِ والمَوْزُونِ، ولم يَمْنَعِ البائِعُ المُشْتَرِىَ من قَبْضِه، فظاهِرُ المذهبِ أنَّه من ضَمانِ المُشْتَرِى، ويَكونُ كتَلَفِه بعد القَبْضِ. وأمَّا إن تَلِفَ المَبِيعُ بعدَ القَبْضِ فى مُدَّةِ الخِيارِ، فهو من ضَمانِ المُشْتَرِى، ويَبْطُلُ خِيارُه. وفى خِيارِ البائِعِ رِوايَتانِ؛ إحداهما، يَبْطُلُ، وهو اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ، وأبِى بَكْرٍ؛ لأنَّه خِيارُ فَسْخٍ، فبَطَلَ بِتَلَفِ المَبِيع، كِخِيارِ الرَّدِّ بِالعَيْبِ إذا تَلِفَ المَعيبُ. والرِّوايَةُ الثانيةُ، لا يَبْطُلُ، ولِلبائِعِ أن يَفْسَخَ ويُطالِبَ المُشْتَرِىَ بِقِيمَتِه، وهذا اختيارُ القاضى، وابنِ عَقِيلٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا". ولأنَّه خِيَارُ فَسْخٍ، فلم يَبْطُلْ بِتَلَفِ المَبِيعِ، كما لو اشْتَرَى ثَوْبًا بِثَوْبٍ، فتَلِفَ أحَدُهُما، ووَجَدَ الآخَرُ بِالثَّوْبِ عَيْبًا، فإنَّه يَرُدُّه، ويَرْجِعُ بِقِيمَةِ ثَوْبِه، كذا هاهُنا. وأمَّا إذا أعْتَقَهُ المُشْتَرِى، فإنَّ خِيَارَهُ يَبْطُلُ؛ لأنَّه أتْلَفَه، وفى بُطْلانِ خِيارِ البائِعِ رِوايَتانِ، كما لو تَلِفَ المَبيعُ. وخِيارُ المَجْلِسِ، وخِيارُ الشَّرْطِ فى هذا كُلِّه سواءٌ.
فصل: ومَتَى تَصَرَّفَ المُشْتَرِى فى المَبيعِ فى مُدَّةِ الخِيارِ تَصَرُّفًا يَخْتَصُّ المِلْكَ، بَطَلَ خِيارُهُ، كإعْتاقِ العَبْدِ، وكِتابَتِه، وبَيْعِهِ، وهِبَتِه، وَوَطْءِ الجارِيَةِ، أو مُباشَرَتِها، أو لَمْسِها لِشَهْوَةٍ، وَوَقْفِ المَبيعِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِحَاجَتِه، أو سَفَرٍ، أو حَمْلِه عليها، أو سُكْنَى الدَّارِ، وَرَمِّها، وحَصادِ الزَّرْعِ، وقَصْلٍ (١) منه، فما وُجِدَ من هذا فهو رِضاءٌ بِالمَبِيعِ، ويَبْطُلُ به خِيارُهُ؛ لأنَّ الخِيارَ يَبْطُلُ بِالتَّصْريحِ بِالرِّضاءِ، وبِدَلالَتِه، ولذلك يَبْطُلُ خِيارُ المُعْتَقَةِ بِتَمْكِينِها الزَّوْجَ من وَطْئِها، وقال لها رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنْ وَطِئَكِ فَلَا خِيارَ لَكِ" (٢). وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِيِّ. فأمَّا رُكوبُ الدَّابَّةِ لِيَنْظُرَ سَيْرَها، والطَّحْنُ على الرَّحَى لِيَعْلَمَ
---------------
(١) القصل: القطع.
(٢) أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٤/ ٦٥، ٥/ ٣٧٨. والبيهقى، فى: باب ما جاء فى وقت الخيار، من كتاب النكاح. السنن الكبرى ٧/ ٢٢٥.
الصفحة 18
695