كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)

قَدْرَ طَحْنِها، وحَلْبُ الشَّاةِ لِيَعْلَمَ قَدْرَ لَبَنِها، ونَحْوُ ذلك، فليس بِرِضًا بِالبَيْعِ، ولا يَبْطُلُ خِيارُه؛ لأنَّ ذلك هو المَقْصودُ بِالخِيارِ، وهو اخْتِبارُ المَبيعِ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ وَجْهًا فى أنَّ تَصَرُّفَ المُشْتَرِى لا يُبْطِلُ خِيارَهُ، ولا يَبْطُلُ إلَّا (٣) بِالتَّصْرِيحِ بِالرِّضا. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ هذا يَتَضَمَّنُ إجازَةَ البَيْعِ، ويَدُلُّ على الرِّضا به، فَبَطَلَ به الخِيارُ كَصَريحِ القَوْلِ. ولأنَّ الصَّرِيحَ (٤) إنَّمَا أبْطَلَ الخِيارَ لِدَلالَتِه على الرِّضا به، فما دَلَّ على الرِّضا به يَقُومُ مَقامَهُ، كَكِنَاياتِ الطَّلاقِ، تَقومُ مَقامَ صَريحِه. وإن عَرَضَه على البَيْعِ، أو باعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، أو عَرَضَه على الرَّهْنِ، أو غيرِه من التَّصَرُّفاتِ، أو وَهَبَهُ، فلم يَقْبَلِ المَوْهُوبُ له، بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّ (٥) ذلك يَدُلُّ على الرِّضا به. قال أحمدُ: إذا اشْتَرَطَ الخِيارَ، فباعَهُ قبلَ ذلك بِرِبْحٍ، فَالرِّبْحُ لِلْمُبْتاعِ؛ لأنَّه وَجَبَ عليه حِينَ عَرَضَهُ. وإن اسْتَخْدَمَ المُشْتَرِى المَبِيعَ، ففيه رِوايَتانِ؛ إحداهما، لا يَبْطُلُ خِيارُه، وقال أبو الصَّقْرِ (٦): قلتُ لأحمدَ: رَجُلٌ اشْتَرَى جارِيَةً، وله الخِيارُ فيها يَوْمَيْن، فَانْطَلَقَ بها، فَغَسَلَتْ رَأْسَه، أو غَمَزَتْ رِجْلَه، أو طَحَنَتْ له، أو خَبَزَتْ، هل يَسْتَوْجِبُها بذلك؟ قال: لا، حتى يَبْلُغَ منها ما لا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ. قلتُ: فإن مَشَطَها، أو خَضَبَها، أو حَفَّها، هل يَسْتَوْجِبُها بذلك؟ قال: قد بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّه وَضَع يَدَهُ عليها. وذلك لأنَّ الاسْتِخْدامَ لا يَخْتَصُّ المِلْكَ، ويُرادُ لِتَجْرِبَةِ المَبيعِ، فأشْبَه رُكوبَ الدَّابَّةِ لِيَعْلَمَ سَيْرَها. ونَقَلَ حَرْبٌ، عن أحمدَ، أنَّه يَبْطُل خِيارُه؛ لأنَّه انْتِفَاعٌ بِالمَبيعِ، أشْبَه لَمْسَها لِشَهْوَةٍ. ويُمْكِنُ أن يُقالَ: ما قُصِدَ به من الاسْتِخْدامِ، تَجْرِبَةُ المَبِيع، لا يُبْطِلُ الخِيارَ، كَرُكوبِ الدَّابَّة لِيَعْلَمَ سَيْرَها، وما لا يُقْصَدُ به ذلك يُبْطِلُ الخِيَارَ، كَرُكوبِ الدَّابَّةِ لِحاجَتِه، وإن قَبَّلَتِ الجارِيَةُ المُشْتَرِىَ لم يَبْطُلْ خِيارُهُ، وهذا مذهَبُ الشَّافِعِىِّ. وقال
---------------
(٣) سقط من: م.
(٤) فى م: "التصريح".
(٥) من هنا إلى نهاية قوله: "لأنه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره" الآتى، سقط من: الأصل. نقلة نظر.
(٦) يحيى بن يزداد الوراق، وراق الإمام، عنده جزء مسائل حسان. طبقات الحنابلة ١/ ٤٠٩.

الصفحة 19