كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)
أبُو الخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ أن يَبْطُلَ خِيارُه إذا لم يَمْنَعْها؛ لأنَّ إقْرارَهُ لها على ذلك يَجْرِى مجْرَى اسْتِمْتاعِه بها. وقال أبو حنيفةَ: إن قَبَّلَتْهُ لِشَهْوَةٍ بَطَلَ خِيارُه، لأنَّه اسْتِمْتاعٌ يَخْتَصُّ المِلْكَ، فأْبطَلَ خِيارَهُ، كَقُبْلَتِه لها. ولنا: أنَّها قُبْلَةٌ لِأحَدِ المُتَعاقِدَيْنِ، فلم يَبْطُلْ خِيارُه، كما لو قَبَّلَتِ البائِعَ. ولأنَّ الخِيارَ لَهُ، لا لَها، فلو أَلْزَمْناهُ بِفِعْلِها لأَلْزَمْناهُ بغيرِ رِضاهُ، ولا دَلالَةَ عليه، وفارَقَ ما إذا قَبَّلَها؛ فإنَّه (٧) وُجِدَ منه ما يَدُلُّ على الرِّضا بها. ومَتَى بَطَلَ خِيارُ المُشْتَرِى بِتَصَرُّفِه، فَخِيارُ البائِعِ باقٍ بحالِه؛ لأنَّ خِيارَهُ لا يَبْطُلُ بِرِضا غَيْرِه، إلَّا أن يَكونَ تَصَرُّفُ المُشْتَرِى بإذْنِ البَائِعِ، فإنَّه يَبْطُلُ خِيارُهما معًا؛ لوُجُودِ الرِّضا منهما (٨) بِإِبْطالِه. وإن تَصَرَّفَ البائِعُ فى المَبيعِ بما يَفْتَقِرُ إلى المِلْكِ، كان فَسْخًا للْبَيْعِ، وهذا مذهبُ أبِى حنيفةَ، والشَّافِعىِّ؛ لما ذَكَرْنَاهُ فى المُشْتَرِى. ولأنَّه أحَدُ المُتَعاقِدَيْنِ، فَتَصَرُّفُه فى المَبيعِ اخْتِيارٌ له، كالمُشْتَرِى. وعن أحْمَدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّه لا يَنْفَسِخُ البَيْعُ بذلك؛ لأنَّ المِلْكَ انتقَلَ عنه، فلم يكُنْ تَصَرُّفُه فيه اسْتِرْجاعًا له، كَمَنْ وَجَدَ مالَهُ عند مُفْلِسٍ، فَتَصرَّفَ فيه.
فصل: ويَنْتَقِلُ المِلْكُ إلى المُشْتَرِى فى بَيْعِ الخِيارِ بِنَفْسِ العَقْدِ فى ظاهِرِ المذهبِ، ولا فَرْقَ بين كَوْنِ الخِيارِ لهما، أو لأحَدِهما، أيِّهما كان، وهذا أحَدُ أقْوالِ الشَّافِعىِّ. وعن أحمدَ: أنَّ المِلْكَ لا يَنْتَقِلُ حتى يَنْقَضِىَ الخِيارُ، وهو قَوْلُ مَالِكٍ، والقَوْلُ الثَّانِى لِلشَّافِعِىِّ، وبه قال أبُو حَنِيفَةَ إذا كان الخِيارُ لهما وللبائِعِ (٩)، وإن كان لِلْمُشْتَرِى خَرَجَ عن مِلْكِ البَائِعِ، فلم يَدْخُلْ فى مِلْكِ المُشْتَرِى؛ لأنَّ البَيْعَ الذى فيه الخِيارُ عَقْدٌ قاصِرٌ، فلم يَنْقُلِ المِلْكَ، كَالهِبَةِ قبلَ القَبْضِ. والقولُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِىِّ: أنَّ المِلْكَ مَوْقوفٌ مُراعًى، فإن أَمْضَيَا البَيْعَ تَبَيَّنَّا أنَّ المِلْكَ لِلْمُشْتَرِى،
---------------
(٧) فى م: "لأنه".
(٨) فى الأصل: "منهم".
(٩) فى م: "أو للبائع".
الصفحة 20
695