كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)

فَوَجَدَ كُلُّ واحِدٍ منهما بما اشْتَراهُ عَيْبًا. وقَوْلُهم: إنَّه قَاصِرٌ. غيرُ صَحيحٍ، وجَوازُ فَسْخِه لا يُوجِبُ قُصورَهُ، ولا يَمْنَعُ نَقْلَ المِلْكِ كَبَيْعِ المَعيبِ، وامْتِناعُ التَّصَرُّفِ إنَّما كان لِأجْلِ حَقِّ الغَيْرِ، فلا يَمْنَعُ ثُبوتَ المِلْكِ، كالمَرْهُونِ، والمَبِيعِ قبل القَبْضِ. وقَوْلُهُم: لأنَّه يَخْرُجُ من مِلْكِ البائِعِ، ولا يَدْخُلُ فى مِلْكِ المُشْتَرِى. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُفْضِى إلى وُجُودِ مِلْكٍ لا مالِكَ له، وهو مُحالٌ، ويُفْضِى أيضًا إلى ثُبوتِ المِلْكِ للبائِع (١٢) من غيرِ حُصولِ عِوَضِهِ لِلْمُشْتَرِى، أو إلى نَقْلِ مِلْكِه عن المَبيع من غير ثبوتِه فى عِوَضِه، وكَوْنُ العَقْدِ مُعاوَضَةً يَأْبَى ذلك. وقَوْلُ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ: إنَّ المِلْكَ مَوْقوفٌ، إن أمْضَيا البَيْعَ تَبَيَّنَّا أنَّه انتقَلَ، وإلَّا فلا. غيرُ صَحِيحٍ أيضًا؛ فإنَّ انْتِقالَ المِلْكِ إنَّما يَنْبَنِى على سَبَبِه النَّاقِل له، وهو البَيْعُ، وذلك لا يَخْتَلِفُ بإمْضائِه وَفسْخِه، فإنَّ إمْضاءَهُ لَيْسَ من المُقْتَضِى ولا شَرْطًا فيه، إذ لو كان كَذَلِكَ لما ثَبَتَ المِلْكُ قبله، والفَسْخُ لَيْسَ بمانِعٍ؛ فإنَّ المَنْعَ لا يَتَقَدَّمُ المانِعَ، كما أنَّ الحُكْمَ لا يَسْبِقُ سَبَبَهُ ولا شَرْطَهُ. ولأنَّ البَيْعَ مع الخِيارِ سَبَبٌ يَثْبُتُ المِلْكُ عَقِيبَهُ فيما إذا لم يُفْسَخْ، فوَجَبَ أن يَثْبُتَ (١٣) وإن فُسِخَ، كَبَيْعِ المَعيبِ، وهذا ظاهِرٌ إن شاءَ اللهُ.

فصل: وما يَحصُلُ من غَلَّاتِ المَبيعِ، ونَمائِهِ المُنْفَصِلِ فى مُدَّةِ الخِيارِ، فهو لِلْمُشْتَرِى، أَمْضَيا العَقْدَ، أو فَسَخاهُ، قال أحْمَدُ فى من اشْتَرَى عَبْدًا، فَوُهِبَ له مالٌ قبلَ التَّفَرُّقِ، ثم اخْتارَ البَائِعُ العَبْدَ: فَالمالُ لِلْمُشْتَرِى. وقال الشَّافِعِىُّ: إن أمْضَيا العَقْدَ، وقُلْنا: المِلْكُ لِلْمُشْتَرِى، أو مَوْقُوفٌ. فالنَّماءُ المُنْفَصِلُ له، وإن قُلْنا: المِلْكُ للبائِعِ. فَالنَّماءُ له. وإن فَسَخا العَقْدَ، وقُلْنا: المِلْكُ لِلبائِعِ، أو مَوْقُوفٌ. فَالنَّماءُ له، وإلَّا فهو لِلْمُشْتَرِى. ولنا، قَوْلُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ".
---------------
(١٢) فى م زيادة: "فى الثمن".
(١٣) فى م: "يثبته".

الصفحة 22