كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)

كَثِيرةٍ سِوَى هذه. وأجْمَعَ المُسْلِمُونَ على جَوَازِ البَيْعِ فى الجُمْلَةِ، والحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ؛ لأنَّ حاجَةَ الإِنْسانِ تَتَعَلَّقُ بما فى يَدِ صاحِبِه، وصاحِبُه لا يَبْذُلُه بغَيْرِ عِوَضٍ، فَفِى شَرْعِ البَيْعِ وتَجْوِيزِه شَرْعُ طَرِيقٍ إلى وُصُولِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما إلى غَرَضِه، ودَفْعِ حَاجَتِه.

فصل: والبَيْعُ على ضَرْبَيْنِ؛ أحدهما، الإِيجَابُ والقَبُولُ. فالإيجَابُ، أن يَقُولَ: بِعْتُكَ أو مَلَّكْتُكَ، أو لَفْظٌ يَدُلُّ عليهما. والقَبُولُ، أن يَقُولَ: اشْتَرَيْتُ، أو قَبِلْتُ، ونَحْوَهما. فإنْ تَقَدَّمَ القَبُولُ على الإيجابِ بِلَفْظِ الماضِى، فقال: ابْتَعْتُ منك. فقال: بِعْتُكَ. صَحَّ؛ لأنَّ لَفْظَ الإيجابِ والقَبُولِ وُجِدَ منهما على وَجْهٍ تَحْصُلُ منه الدَّلالَةُ على تَرَاضِيهِما به، فصَحَّ، كما لو تَقَدَّم الإِيجابُ. وإنْ تَقَدَّم بِلَفْظِ الطَّلَبِ، فقال: بِعْنِى ثَوْبَكَ. فقال: بِعْتُكَ. ففيه رِوَايَتانِ، إحْدَاهُما، يَصِحُّ كذلك. وهو قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ. والثانيةُ، لا يَصِحُّ. وهو قَوْلُ أبِى حنيفةَ؛ لأنَّه لو تَأخَّرَ عن الإِيجَابِ، لم يَصِحَّ به البَيْعُ، فلم يَصِحَّ إذا تَقَدَّمَ، كَلَفْظِ الاسْتِفْهَامِ، ولأنَّه عَقْدٌ عَرِىَ عن القَبُولِ، فلم يَنْعَقِدْ، كما لَوْ لَمْ يَطْلُبْ. وحَكَى أبو الخَطَّابِ فيما إذا تَقَدَّمَ بلَفْظِ المَاضِى، رِوَايَتَيْنِ أيضًا، فأمَّا إنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الاسْتِفْهَامِ، مِثْلَ أن يقولَ: أتَبيعُنِى ثَوْبَكَ بكذا؟ فيقولُ: بِعْتُكَ. لم يَصِحَّ بحالٍ. نَصَّ عليه أحمدُ، وبه يقولُ أبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ. ولا نَعْلَمُ عن غيْرِهِمْ خِلَافَهُم؛ لأنَّ ذلك لَيْسَ بِقَبُولٍ ولا اسْتِدْعاءٍ. الضَّرْبُ الثَّانِى، المُعَاطَاةُ، مِثْلُ أنْ يقولَ: أَعْطِنِى بهذا الدِّينَارِ خُبْزًا. فيُعْطِيه ما يُرْضِيهِ، أو يقولَ: خُذْ هذا الثَّوْبَ بِدِينارٍ. فَيَأْخُذُهُ، فهذا بَيعٌ صَحِيحٌ. نَصَّ عليه أحْمَدُ، فِى مَن قال لِخَبَّازٍ: كَيْفَ تَبِيعُ الخُبْزَ؟ قال: كذا بِدِرْهَمٍ. قال: زِنْهُ، وتَصَدَّقْ به. فإذا وَزَنَهُ فهو عَلَيْه. وقولُ مَالِكٍ نَحْوٌ من هذا، فإنه قال: يَقَعُ البَيْعُ بما يَعْتَقِدُه النَّاسُ بَيْعًا. وقال بعضُ الحَنَفِيَّةِ: يَصِحُّ فى خَسائِسِ الأَشْياءِ. وحُكِىَ عن القاضى مِثْلُ هذا، قال: يَصِحُّ فى الأشْياءِ اليَسِيرَةِ
---------------
= فى: باب فى التاجر الصدوق، من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٤٧.

الصفحة 7