كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)
دُونَ الكَبِيرَةِ. ومَذهبُ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّه، أنَّ البَيْعَ لا يصِحُّ إلَّا بالإِيجابِ، والقَبُولِ. وذَهَبَ بعضُ أصْحابِه إلى مِثْلِ قَوْلِنا. ولَنا، أنَّ اللَّه أَحَلَّ البَيْعَ، ولم يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فيه إلى العُرْفِ، كما رُجِعَ إليه فى القَبْضِ والإِحْرَازِ والتَّفَرُّقِ، والمُسْلِمُونَ فى أسْوَاقِهِمْ وبِيَاعَاتِهِمْ على ذلك، ولأنَّ البَيْعَ كان مَوْجُودًا بَيْنَهُمْ، مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، وإنما عَلَّقَ الشَّرْعُ عليه أحْكامًا، وأبْقَاهُ على ما كان، فلا يَجُوزُ تَغْيِيرُه بِالرَّأْىِ والتَّحَكُّمِ، ولم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا عن أصْحَابِه، مع كَثْرَةِ وُقُوعِ البَيْعِ بَيْنَهُمْ، اسْتِعْمَالُ الإيجَابِ والقَبُولِ، ولو اسْتَعْمَلُوا ذلك فى بِيَاعَاتِهمْ لَنُقِلَ نَقْلًا شَائِعًا، ولو كان ذلك شَرْطًا، لَوَجَبَ نَقْلُه، ولم يُتَصَوَّرْ منهم إهْمالُه والغَفْلَةُ عن نَقْلِه، ولأنَّ البَيْعَ مما تَعُمُّ به البَلْوَى، فلو اشْتُرِطَ له الإيجابُ والقَبُولُ لَبَيَّنَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيَانًا عَامًّا، ولم يَخْفَ حُكْمُه؛ لأنَّه يُفْضِى إلى وُقُوعِ العُقُودِ الفَاسِدَةِ كَثِيرًا، وأكْلِهِمُ المَالَ بِالبَاطِلِ، ولم يُنْقَلْ ذلك عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا عن أحَدٍ مِنْ أصْحَابِه فيما عَلِمْنَاهُ، ولأنَّ النّاسَ يَتَبايَعُونَ فى أسْوَاقِهم بِالمُعاطَاةِ فى كل عَصْرٍ، ولم يُنْقَلْ إنْكَارُه قبلَ مُخَالِفِينَا، فكانَ ذلك إجْمَاعًا، وكذلك الحُكْمُ فى الإيجَابِ والقَبُولِ، فى الهِبَةِ، والهَدِيَّةِ، والصَّدَقَةِ، ولم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا عن أحَدٍ من أصْحَابِه اسْتِعْمَالُ ذلك فيه، وقد أُهْدِىَ إلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحَبَشَةِ وغيرِها، وكان الناسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدايَاهم يومَ عائِشةَ. مُتَّفَقٌ عليه (١٤). ورَوَى البُخَارِيُّ (١٥)، عن أبِى هُرَيْرَةَ،
---------------
(١٤) أخرجه البخارى، فى: باب قبول الهدية، وباب من أهدى إلى صاحبه فتحرى بعض نسائه دون بعض، من كتاب الهبة، وفى: باب فضل عائشة رضى اللَّه عنها، من كتاب فضائل الصحابة. صحيح البخارى ٣/ ٢٠٣ - ٢٠٥، ٥/ ٣٧. ومسلم، فى: باب فى فضل عائشة رضى اللَّه تعالى عنها، من كتاب فضائل الصحابة. صحيح مسلم ٤/ ١٨٩١.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب فضل عائشة رضى اللَّه عنها، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى ١٣/ ٢٥٥. والنسائي، فى: باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض، من كتاب عشرة النساء. المجتبى ٧/ ٦٤. والإمام أحمد، فى: المسند ٦/ ٢٩٣.
(١٥) فى: باب قبول الهدية، من كتاب الهبة. صحيح البخارى ٣/ ٢٠٣.
كما أخرجه مسلم، فى: باب قبول النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهدية ورده الصدقة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم ٢/ ٧٥٦. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٣٠٢، ٣٠٥، ٣٣٨، ٤٠٦، ٤٩٢.
الصفحة 8
695