كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 6)

قال: كان رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أُتِىَ بِطَعَامٍ سَألَ عنه: "أَهَدِيَّةٌ أم صَدَقَةٌ؟ ". فإن قِيلَ: صَدَقَةٌ. قال لأَصْحَابِه: "كُلُوا". ولم يَأْكُلْ، وإن قِيلَ: هَدِيَّةٌ. ضَرَبَ بِيَدهِ، وأَكَلَ مَعهم. وفى حَدِيثِ سَلْمَانَ (١٦)، حين جَاءَ إلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرٍ، فقال: هذا شَىْءٌ من الصَّدَقَةِ، رَأَيْتُكَ أنتَ وأَصْحَابَكَ أَحَقَّ النّاسِ به. فقال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصْحَابِه: "كُلُوا". ولم يَأْكُلْ، ثم أتَاهُ ثَانِيَةً بتَمْرٍ، فقال: رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وهذا شَىْءٌ أَهْدَيْتُه لك. فقال النبىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "بِسْمِ اللهِ". وأكَلَ. ولم يُنْقَلْ قَبُولٌ ولا أَمْرٌ بإِيجَابٌ. وإنما سَأَلَ لِيَعْلَمَ، هل هو صَدَقَةٌ، أو هَدِيَّةٌ، وفى أكْثَرِ الأخْبَارِ لم يُنْقَلْ إِيجابٌ ولا قَبُولٌ، ولَيْسَ إلَّا المُعَاطَاةُ، والتَّفَرُّقُ عن تَرَاضٍ يَدُلُّ على صِحَّتِه، ولو كان الإِيجابُ والقَبُولُ شَرْطًا فى هذه العُقُودِ لَشَقَّ ذلك، ولَكانتْ أكْثَرُ عُقُودِ المُسْلِمِينَ فَاسِدَةً، وأكثرُ أمْوَالِهم مُحَرَّمَةً. ولِأنَّ الإيجابَ والقَبُولَ إنما يُرَادَانِ لِلدَّلَالَةِ على التَّرَاضِى، فإذا وُجِدَ ما يَدُلُّ عَلَيْه، مِنَ المُسَاوَمَةِ والتَّعَاطِى، قَامَ مقَامَهما، وأجْزَأَ عنهما؛ لِعَدَمِ التَّعَبُدِ فيه.
---------------
(١٦) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٥/ ٤٣٨، ٤٣٩.

الصفحة 9