كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 7)

يُسَمِّ الخِرَقِىُّ الصُّلْحَ إلَّا فى الإِنْكَارِ خاصَّةً.

٨١٧ - مسألة؛ قال: (وَالصُّلْحُ الَّذِى يَجُوزُ، هُوَ أنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِى حَقٌّ لا يَعْلَمُهُ المُدَّعَى عَلَيْهِ، فيَصْطَلِحَانِ عَلَى بَعْضِهِ، فَإِنْ كَان يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ، فجَحَدَهُ، فالصُّلْحُ بَاطِلٌ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنّ الصُّلْحَ علَى الإِنْكَارِ صَحِيحٌ. وبه قالَ مالِكٌ، وأبو حَنيفَةَ. وقالَ الشَّافِعِىُّ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه عاوَضَ على ما لَمْ يَثْبُتْ له (١)، فلَمْ تَصِحَّ المُعَاوَضَةُ، كَما لو بَاعَ مَالَ غيْرِه، ولأنَّه عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ خَلَا عن العِوَضِ فى أَحَدِ جَانِبَيْهِ، فبَطَلَ، كالصُّلْحِ علَى حَدِّ القَذْفِ. ولَنا، عُمومُ قَوْلِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الصُّلْحُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ جَائِزٌ". فيَدْخُلُ هذا فى عُمومِ قَوْلِه. فإنْ قالوا: فقد قال: "إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا". وهذا دَاخِلٌ فيه؛ لِأنَّه لَمْ يَكُنْ له أنْ يَأْخُذَ مِن مَالِ المُدَّعَى عَلَيْه، فَحلَّ بالصُّلْحِ. قُلْنَا: لا نُسَلِّمُ دُخُولَهُ فيه، ولا يَصِحُّ حَمْلُ الحَدِيثِ علَى ما ذَكَرُوهُ لِوَجْهَيْنِ؛ أحَدُهما، أنَّ هذا يُوجَدُ فى الصُّلْحِ بِمَعْنَى البَيْعِ، فإنَّه يُحِلُّ لِكُلِّ واحدٍ منْهُما ما كان مُحَرَّمًا عليه قَبْلَه، وكذلك الصُّلْحُ بمَعْنَى الهِبَةِ، فإنَّه يُحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ له ما كان حَرَامًا عليه، والإِسْقَاطُ يُحِلُّ له تَرْكَ أدَاءِ ما كان وَاجِبًا عليه. الثانى، أنَّه لو حَلَّ به المُحَرَّمُ، لكان الصُّلْحُ صَحِيحًا، فإنَّ الصُّلْحَ الفَاسِدَ لا يُحِلُّ الحَرامَ، وإنَّما مَعْنَاهُ ما يُتَوَصَّلُ به إلَى تَنَاوُلِ المُحَرَّمِ مع بَقَائِهِ على تَحْرِيمِه، كما لو صالَحَهُ على اسْتِرْقَاقِ حُرٍّ، أوْ إحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، أو صَالَحَهُ بِخَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ. وليس ما نحن فيه كذلك. وعلَى أنَّهم لا يَقُولُون بهذا، فإنَّهم يُبِيحُون لمَنْ له حَقٌّ يَجْحَدُهُ غَرِيمُه، أن يَأْخُذَ مِن مَالِه بِقَدْرِه أو دُونَه، فإذا حَلَّ له ذلك مِن غَيْرِ اخْتِيَارِه ولا عِلْمِه، فَلَأَنْ يَحِلَّ بِرِضاهُ وبَذْلِه أَوْلَى، وكذَلِك (٢) إذا حَلَّ مع اعْتِرَافِ الغَرِيمِ، فلَأَنْ يَحِلَّ مع جَحْدِه وعَجْزِه عن الوُصُولِ إلى حَقِّه إلّا بِذَلِك أَوْلَى، ولأنَّ
---------------
(١) سقط من: أ.
(٢) فى أ: "وذلك".

الصفحة 6