كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

فصل: ويجوزُ كِرَاءُ الدَّابَّةِ لِلْعَمَلِ؛ لأنَّها مَنْفَعةٌ مُبَاحةٌ، خُلِقَتِ الدَّابَّةُ لها، فجازَ الكِرَاءُ لها، كالرُّكُوبِ. وإن اكْتَرَى بَقَرًا لِلْحَرْثِ، جازَ؛ [لأنَّ البَقَرَ خُلِقَتْ لِلْحَرْثِ] (١٣)، ولذلك قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَيْنَما رَجُلٌ يَسْوقُ بَقَرَةً، أرَادَ أنْ يَرْكَبَها، فَقَالَتْ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهذَا، إنَّما خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ". متفق عليه (١٤). ويَحْتاجُ (١٥) شَرْطَيْنِ: مَعْرِفَةَ الأَرْضِ، وتَقْدِيرَ العَمَلِ، فأَمَّا الأرْضُ فلا تُعْرَفُ إلَّا بالمُشَاهَدةِ؛ لأنَّها تَخْتَلِفُ، فتكونُ صُلْبةً تُتْعِبُ البَقَرَ والحَرَّاثَ، وقد يكون فيها حِجَارَةٌ تَتَعَلَّقُ بالسِّكَّةِ، وتكون رَخْوَةً سَهْلةً يَسْهُلُ حَرْثُها، ولا تَأْتِى الصِّفَةُ عليها، فيَحْتاجُ إلى رُؤْيَتِها. وأمَّا تَقْدِيرُ العَمَلِ، فيجوزُ بأحدِ شَيْئَيْنِ؛ إمَّا بالمُدَّةِ، كيومٍ ويَوْمَيْن، وإمَّا بالأرْضِ، كهذه القِطْعةِ، أو من هذا المكانِ إلى هذا المكانِ، أو بالمِسَاحَةِ، كمَدًى أو مَدَيَيْن (١٦)، ونحو ذلك، كلُّ ذلك جائِزٌ؛ لأنَّ العِلْمَ يَحْصُلُ به. فإن قَدَّرَهُ بالمُدَّةِ، فلا بُدَّ من مَعْرِفةِ البَقَرِ التي يَعْمَلُ عليها؛ لأنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ باخْتِلَافِها في القُوَّةِ والضَّعْفِ. ويجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ البَقَرَ مُفْرَدةً لِيَتَوَلَّى رَبُّ الأَرْضِ الحَرْثَ بها. ويجوزُ أن يَسْتَأْجِرَها مع صاحِبِها لِيَتَوَلَّى الحَرْثَ بها. ويجوزُ اسْتِئْجارُها بآلَتِهَا من الفَدَّانِ والنِّيرِ، واسْتِئْجارُها بدُونِ آلَتِها، وتكون الآلةُ من عندِ صاحِبِ الأرْضِ. ويجوزُ اسْتِئْجارُ البَقَرِ وغيرها لِدرَاسِ الزَّرْعِ؛ لأنَّها مَنْفَعةٌ مُبَاحةٌ مَقْصُودةٌ، فأشْبَهَتِ الحَرْثَ.
---------------
(١٣) سقط من: الأصل.
(١٤) أخرجه البخاري، في: باب استعمال البقر للحراثة، من كتاب المزارعة، وفى: باب حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب. . ., من كتاب الأنبياء، وفى: باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لو كنت متخذًا خليلا. . ., من كتاب فضائل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. صحيح البخاري ٣/ ١٣٦، ٤/ ٢١٢، ٥/ ٦، ٧. ومسلم، في: باب من فضائل الصحابة رضى اللَّه تعالى عنهم، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم ٤/ ١٨٥٧.
كما أخرجه الترمذي، في: باب حدثنا عبد بن حميد. . ., من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى ١٣/ ١٤٠.
(١٥) في م زيادة: "إلى".
(١٦) المدى: منتهى البصر وغايته.

الصفحة 100