كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

الإِبِلِ والبِغَالِ والحَمِيرِ، فيكون مَعْنَى خَلْقِها لِلْحَرْثِ إن شاءَ اللَّه، أنَّ مُعْظَمَ الانْتِفاعِ بها فيه، ولا يَمْنَعُ ذلك (٢٥) الانْتِفَاعَ بها في شيءٍ آخَرَ، كما أنَّ الخَيْلَ خُلِقَتْ لِلرُّكُوبِ والزِّينةِ، ويُبَاحُ أكْلُها، واللُّؤْلُؤُ خُلِقَ لِلْحِلْيةِ، ويجوزُ اسْتِعْمالُه في الأَدْوِيةِ وغيرِها. واللَّه أعلمُ.

٩٠٩ - مسألة؛ قال: (وَمَا حَدَثَ في السِّلْعةِ مِنْ يَدِ الصَّانِعِ، ضَمِنَ)
وجملتُه أنَّ الأجِيرَ على ضَرْبَيْنِ؛ خاصٌّ، ومُشْتَرَكٌ، فالخاصُّ: هو الذي يَقَعُ العَقْدُ عليه في مُدَّةٍ مَعْلُومةٍ، يَسْتَحِقُّ المُسْتَأْجِرُ نَفْعَه في جَميِعِها، كرَجُلٍ اسْتُؤْجِرَ لخِدْمةٍ، أو عَمَلٍ في بِنَاءٍ أو خِيَاطةٍ، أو رِعَايةٍ، يومًا أو شَهْرًا، سُمِّىَ خاصًّا لِاخْتِصَاصِ المُسْتَأْجِرِ بِنَفْعِه في تلك المُدّةِ دُونَ سائِر النَّاسِ. والمُشْتَرَكُ: الذي يَقَعُ العَقْدُ معه على عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، كخِيَاطةِ ثَوْبٍ، وبِنَاءِ حائِطٍ، وحَمْلِ شيءٍ إلى مكانٍ مُعَيَّنٍ، أو على عَمَلٍ في مُدَّةٍ لا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ نَفْعِه فيها، كالكَحَّال، والطَّبِيبِ، سُمِّىَ مُشْتَرَكا لأنَّه يَتَقَبَّلُ أعْمالًا لِاثْنَيْنِ وثَلَاثةٍ وأكْثَر في وَقْتٍ واحدٍ، ويَعْمَلُ لهم، فيَشْتَرِكُونَ في مَنْفَعَتِه واسْتِحْقَاقِها، فسُمِّىَ مُشْتَركًا لِاشْتِرَاكِهِم في مَنْفَعَتِه. فالأجِيرُ المُشْتَرَكُ هو الصانِعُ الذي ذَكَرَه الخِرَقِيُّ، وهو ضامِنٌ لما جَنَتْ يَدُه، فالحائِكُ إذا أَفْسَدَ حِيَاكَتَه ضامِنٌ لما أفْسَدَ. نَصَّ أحمدُ على هذه المَسْألةِ، في رِوَايةِ ابنِ منصورٍ. والقَصَّارُ ضامِنٌ لما يَتَخَرَّقُ من دَقِّه أو مَدِّه أو عَصْرِه أو بَسْطِه. والطَّبّاخُ ضامِنٌ لما أفْسَدَ من طَبِيخِه. والخَبّازُ ضامِنٌ لما أفْسَدَ من خُبْزِه، والحَمَّالُ يَضْمَنُ ما يَسْقُطُ من حِمْلِه عن رَأْسِه، أو تَلِفَ من عَثْرَتِه. والجَمَّالُ يَضْمَنُ ما تَلِفَ بِقَوْدِه، وسَوْقِه، وانْقِطَاعِ حَبْلِه الذي يَشدُّ به حِمْلَهُ. والمَلاحُ يَضْمَنُ ما تَلِفَ من يَدِه، أو جَذْفِه، أو ما يُعَالِجُ به السَّفِينةَ. ورُوِى ذلك عن عمرَ، وعليٍّ، وعبدِ اللَّه بن عُتْبةَ، وشُرَيْحٍ (١)، والحَسَنِ، والحَكَمِ. وهو قول
---------------
(٢٥) سقط من: ب.
(١) أخرج البيهقي ذلك عن عمر وعلى وشريح، في: باب ما جاء في تضمين الأجراء، من كتاب الإِجارة. السنن الكبرى ٦/ ١٢٢. =

الصفحة 103