كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

فصل: وإذا اسْتَأْجَرَ الأجِيرُ المُشْتَرَكُ أجِيرًا خاصًّا، كالخَيّاطِ في دُكَّانٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا مُدَّةً، يَسْتَعْمِلُه فيها، فتَقَبَّلَ صاحِبُ الدُّكّانِ خِيَاطةَ ثَوْبٍ، ودَفَعَهُ إلى أجِيرِه، فخَرَقَهُ أو أفْسَدَه، لم يَضْمَنْهُ؛ لأنَّه أجِيرٌ خاصٌّ، ويَضْمَنُه صاحِبُ الدُّكَّانِ؛ لأنَّه أجِيرٌ مُشْتَرَكٌ.

فصل: إذا أتْلَفَ الصّانِعُ الثَّوْبَ بعدَ عَمَلِه، فصَاحِبُه مُخَيَّرٌ بين تَضْمِينِه إيَّاه غيرَ مَعْمُولٍ ولا أجْرَ له (١٣)، وبين تَضْمِينِه إيَّاه مَعْمُولًا ويَدْفَعُ إليه أجْرَهُ. ولو وَجَبَ عليه ضَمَانُ المَتاعِ المَحْمُولِ، فصَاحِبُه مُخَيَّرٌ بين تَضْمِينِه قِيمَتَه في المَوْضِعِ الذي سَلَّمَه إليه ولا أجْرَ له، وبين تَضْمِينِه إيَّاه في المَوْضِعِ الذي أفْسَدَه ويُعْطِيه الأجْرَ إلى ذلك المكانِ. وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّه إذا أحَبَّ تَضْمِينَه مَعْمُولًا، أو في المكانِ الذي أفْسَدَه فيه، فله ذلك؛ لأنَّه مَلَكَه في ذلك المَوْضِعِ على تِلْكَ الصِّفَةِ، فمَلَكَ المُطَالَبةَ بعِوَضِه حينئذٍ، وإن أحَبَّ تَضْمِينَه قبلَ ذلك، فلأنَّ أجْرَ العَمَلِ لا يَلْزَمُه قبلَ تَسْلِيمِه إليه، وما سُلِّمَ إليه، فلا يَلْزَمُه.

فصل: إذا دَفَعَ إلى حائِكٍ غَزْلًا، فقال: انْسِجْه لي عَشْرَةَ أَذْرُعٍ في عَرْضِ ذِرَاعٍ. فنَسَجَه زائِدًا على ما قَدَّرَ له في الطُّولِ والعَرْضِ، فلا أجْرَ له في الزِّيَادةِ؛ لأنَّه غيرُ مَأْمُورٍ بها، وعليه ضَمانُ نَقْصِ الغَزْلِ المَنْسُوجِ فيها، فأمَّا ما عدا الزّائِدَ فيُنْظَرُ فيه؛ فإن كان جاءَ به زائِدًا في الطُّولِ وحدَه، ولم يَنْقُص الأصْلُ بالزِّيَادَةِ فله ما سَمَّى له من الأجْرِ، كما لو اسْتَأْجَرَهُ على أن يَضْرِبَ له مائة لَبِنَةٍ، فضَرَبَ له مائتَيْنِ، وإن جاءَ به زائِدًا في العَرْضِ وحدَه، أو فيهما، ففيه وَجْهانِ؛ أحدهما: لا أجْرَ له؛ لأنَّه مُخالِفٌ لأَمْرِ المُسْتَأْجِرِ، فلم يَسْتَحِقَّ شيئا، كما لو اسْتَأْجَرَه على بِنَاءِ حائِطٍ عَرْضَ ذِرَاعٍ، فبَنَاهُ عَرْضَ ذِرَاعَيْنِ. والثاني، له المُسَمَّى؛ لأنَّه زادَ على ما أمَرَ به، فأشْبَهَ زِيادَةَ الطُّولِ. ومن قال بالوَجْهِ الأَوّلِ، فَرَّقَ بين الطُّولِ والعَرْضِ، بأنَّه يُمْكِنُ قَطْعُ الزائِدِ
---------------
(١٣) في م: "عليه".

الصفحة 107