كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

بَعِيرَ جابِرٍ، وضَرَبَهُ (١٠). وكان أبو بكرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، يَخْرِشُ بَعِيرَه بمِحْجَنِه. ولِلرَّائِضِ ضَرْبُ الدَّابَّةِ لِلتَّأْدِيبِ، وتَرْتِيبِ المَشْىِ، والعَدْوِ، والسَّيْرِ. ولِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصِّبْيانِ لِلتَّأْدِيبِ. قال الأثْرَمُ: سُئِلَ أحمدُ، عن ضَرْبِ المُعَلِّمِ الصِّبْيانَ. قال: على قَدْرِ ذُنُوبِهِم، ويَتَوَقَّى بِجُهْدِه الضَّرْبَ، وإذا كان صَغِيرًا لا يَعْقِلُ فلا يَضْرِبْه. ومن ضَرَبَ من (١١) هؤلاءِ كُلِّهم (١٢) الضَّرْبَ المَأْذُونَ فيه، لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ. وبهذا في الدَّابّةِ، قال مالِكٌ والشافِعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال الثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ: يَضْمَنُ؛ لأنَّه تَلِفَ بجِنَايَتِه، فضَمِنَه، كغيرِ المُسْتَأْجِرِ، وكذلك قال الشافِعِيُّ في المُعَلِّمِ يَضْرِبُ الصَّبِيَّ؛ لأنَّه يُمْكِنُه تَأْدِيبُه بغيرِ الضَّرْبِ. ولَنا، أنه تَلِفَ من فِعْلٍ مُسْتَحَقٍّ، فلم يَضْمَنْ، كما لو تَلِفَ تحت الحِمْلِ، ولأنَّ الضَّرْبَ مَعْنًى تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الإِجَارةِ، فإذا تَلِفَ منه لم يَضْمَنْ، كالرُّكُوبِ. وفارَقَ غيرَ المُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ. وقول الشافِعيِّ: يُمْكِنُ التَّأْدِيبُ بغيرِ الضَّرْبِ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ العادَةَ خِلَافُه، ولو أمْكَنَ التَّأْدِيبُ بدونِ الضَّرْبِ، لَما جازَ الضَّرْبُ، إذ فيه ضَرَرٌ وإيلَامٌ مُسْتَغْنًى عنه. وإن أسْرَفَ في هذا كلِّه، أو زادَ على ما يَحْصُلُ الغِنَى (١٣) به، أو ضَرَبَ مَنْ لا عَقْلَ له من الصِّبْيانِ، فعليه الضَّمانُ؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ حَصَلَ التَّلَفُ بِعُدْوانِه.
---------------
(١٠) أخرجه البخاري، في: باب الثيبات. وباب تستحد المغيبة وتمتشط، من كتاب النكاح. صحيح البخاري ٧/ ٦، ٥١. ومسلم، في: باب استحباب نكاح البكر، من كتاب الرضاع، وباب بيع البعير واستثناء ركوبه، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٢/ ١٠٨٩، ٣/ ١٢٢١، ١٢٢٢، ١٢٢٣. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٧٢، ٣٧٣.
(١١) سقط من: ب.
(١٢) سقط من: م.
(١٣) في الأصل: "المعنى".

الصفحة 116