كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

أو من غيرِ حاجةٍ إليه، أو يَسْلُكَ (٤) بها مَوْضِعًا تَتَعَرَّضُ فيه لِلتَّلَفِ، وأشْباه هذا ممَّا يُعَدُّ تَفْرِيطًا وتَعَدِّيًا، فتَتْلَفُ به، فعليه ضَمَانُها؛ لأَنَّها تَلِفَتْ بِعُدْوَانِه، فضَمِنَها كالمُودعِ إذا تَعَدَّى، وإن اخْتَلَفَا في التَّعَدِّي وعَدَمِه، فالقولُ قولُ الرَّاعِي؛ لأنَّه أمِينٌ. وإن فَعَلَ فِعْلًا اخْتَلَفا في كونِه تَعَدِّيًا، رُجِعَ إلى أهْلِ الخِبْرةِ. ولو جاءَ بِجِلْدِ شاةٍ، وقال: ماتَتْ. قُبِلَ قولُه، ولم يَضْمَنْ. وعن أحمدَ، أنَّه يَضْمَنُ، ولا يُقْبَلُ قَوْلُه. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ؛ لأنَّ الأُمَناءَ تُقْبَلُ أقْوَالُهم، كالمُودَعِ، ولأنَّه يَتَعَذَّرُ عليه إقَامَةُ البَيِّنةِ في الغالِبِ، فأشْبَه المُودَعَ. وكذلك لو ادَّعَى مَوْتَها من غيرِ أن يَأْتِىَ بِجِلْدِها.

فصل: ولا يَصِحُّ العَقْدُ في الرَّعْىِ إلَّا على مُدَّةٍ مَعْلُومةٍ؛ لأنَّ العَمَلَ لا يَنْحَصِرُ. ويجوزُ العَقْدُ على رَعْىِ ماشِيَةٍ مُعَيَّنةٍ، وعلى جِنْسٍ في الذِّمَّةِ، فإن عَقَدَ على ماشِيةٍ (٥) مُعَيَّنةٍ، فذَكَرَ أصْحابُنا أنَّه يَتَعَلَّقُ بأعْيانِها، كما لو اسْتَأْجَرَه لخِيَاطةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِه، فلا يجوزُ إبْدَالُه (٦)، ويَبْطُلُ العَقْدُ بِتَلَفِها. وإن تَلِفَ بعضُها، بَطَلَ عَقْدُ الإِجَارَةِ فيه، وله أجْرُ ما بَقِىَ منها بالحِصَّةِ. وإن وَلَدَتْ سِخَالًا (٧)، لم يَكُنْ عليه رَعْيُها؛ لأنها زِيادَةٌ لم يَتَنَاوَلْها العَقْدُ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَتَعَلَّقَ بأعْيانِها؛ لأنَّها ليست المَعْقُودَ عليها، وإنَّما يَسْتَوْفِى المَنْفَعةَ بها، فأشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَ ظَهْرًا لِيَرْكَبَه، جازَ أن يَرْكَبَ غيرَه مكانَه، ولو اسْتَأْجَرَ دارًا لِيَسْكُنَها، جازَ أن يُسْكِنَها مثلَه (٥)، ولو اسْتَأْجَرَ أرْضًا لِيَزْرَعَها حِنْطَةً، جازَ أن يَزْرَعَها ما هو مِثْلُها في الضَّرَرِ، أو أدْنَى منها، وإنَّما المَعْقُودُ عليه مَنْفَعَةُ الرّاعِي، ولهذا يَجِبُ له الأجْرُ إذا سَلَّمَ نَفْسَه وإن لم يَرْعَ (٨). ويُفَارِقُ الثَّوْبَ في الخِيَاطَةِ؛ لأن الثِّيابَ في مَظِنَّةِ الاخْتِلَافِ، في سُهُولَةِ خِيَاطَتِها ومَشَقَّتِها، بخِلَافِ
---------------
(٤) في ب، م: "سلك".
(٥) سقط من: الأصل.
(٦) في الأصل: "إبدالها".
(٧) السخلة: ولد الشاة.
(٨) في الأصل: "يزرع".

الصفحة 124