كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

الصَّلَاةَ تُسَمَّى (١٩) العِشَاءَ الآخِرَةَ، فدلَّ (٢٠) على أنَّ الأُولَى المَغْرِبُ، وهو في العُرْفِ كذلك، فوَجَبَ أن يَتَعَلَّقَ الحُكْمُ به؛ لأنَّ المُدَّةَ إذا جُعِلَتْ إلى وَقْتٍ تَعَلَّقَتْ بأَوَّلِه، كما لو جَعَلَها إلى اللَّيْلِ. وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ لَفْظَ العَشِىِّ غيرُ لَفْظِ العِشَاءِ، فلا يَجوزُ الاحْتِجاجُ بأحَدِهِما على الآخَرِ، حتى يَقُومَ دَلِيلٌ على أنَّ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ واحدٌ. ثم لو ثَبَتَ أنَّ مَعْنَاهُما واحدٌ، غيرَ أنَّ أهْلَ العُرْفِ لا يَعْرِفُونَه، فلا يَتَعَلَّقُ به حُكْمٌ. وكذلك الحُكْمُ فيما إذا اكْتَرَاها إلى العَشِىِّ؛ لأنَّ أهْلَ العُرْفِ لا يَعْرِفُونَ غيرَ ما ذَكَرْناه. وإن اكْتَرَاها إلى اللَّيْلِ، فهو إلى أَوَّلِه، وكذلك إن اكْتَراها إلى النَّهارِ، فهو إلى أَوَّلِه. ويَتَخَرَّجُ أن يَدْخُلَ اللَّيْلُ في المُدّةِ الأُولَى، والنَّهَارُ في الثانيةِ؛ لما ذَكَرْناه في [مُدّةِ الخِيَارِ] (٢١)، والأَوّلُ أصَحُّ. وإن اكْتَراها نَهَارًا فهو إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وإن اكْتَراها لَيْلةً، فهى إلى طُلُوعِ الفَجْرِ، في قول الجَمِيعِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال في لَيْلَةِ القَدْرِ: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (٢٢). وقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ثم قال: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (٢٣).

فصل: وإن اكْتَرَى فُسْطَاطًا إلى مَكَّةَ، ولم يَقُلْ متى أَخْرُجُ (٢٤)، فالكِرَاءُ فاسِدٌ. وبه قال أبو ثَوْرٍ، وهو قِيَاسُ قولِ الشافِعِىِّ. وقال أصْحابُ الرَّأْى: يجوزُ اسْتِحْسانًا،
---------------
= ويضاف إليه: وأخرجه مسلم، في: باب وقت العشاء وتأخيرها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة. صحيح مسلم ١/ ٤٤٢.
(١٩) في ب زيادة: "بصلاة".
(٢٠) في الأصل، ب: "فيدل".
(٢١) في الأصل: "هذه الأخبار".
(٢٢) سورة القدر ٥.
(٢٣) سورة البقرة ١٨٧.
(٢٤) سقط من: الأصل.

الصفحة 13