كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

ولا وَبَرَها، ولا اسْتِئْجارُ شَجَرةٍ، لِيَأْخُذَ ثَمَرَتَها، أو شيئا من عَيْنِها.

فصل: ولا تجوزُ إجَارةُ الفَحْلِ لِلضِّرَابِ. وهذا ظاهِرُ مذهبِ الشافِعِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْى، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وخَرَّجَ أبو الخَطَّابِ وَجْهًا في جَوَازِه؛ لأنَّه انْتِفاعٌ مُبَاحٌ، والحاجَةُ تَدْعو إليه، فجازَ، كإجَارَةِ الظِّئْرِ لِلرضاعِ (٢٨)، والبِئْرِ لِيَسْتَقِىَ منها الماءَ؛ ولأنَّها مَنْفَعةٌ تُستَباحُ بالإِعَارَةِ، فتُسْتَباحُ بالإِجَارةِ، كسائِر المَنافِعِ. وهذا مَذْهَبُ الحَسَنِ، وابنِ سِيرِينَ. ولَنا، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن عَسْبِ الفَحْلِ: [مُتَّفَقٌ عليه] (٢٩)، وفي لَفْظٍ: نَهَى عن ضِرَابِ الجَمَلِ. ولأنَّ المَقْصُودَ الماءُ الذي يُخْلَقُ منه الوَلَدُ، فيكونُ عَقْدُ الإِجَارةِ لِاسْتِيفاءِ عَيْنٍ غائِبةٍ (٣٠)، فلم يَجُزْ، كإجَارَةِ الغَنَمِ لأخْذِ لَبَنِها، وهذا أَوْلَى؛ فإنَّ هذا الماءَ مُحَرَّمٌ لا قِيمَةَ له، فلم يَجُزْ أخْذُ العِوَضِ عنه، كالمَيْتَةِ والدَّمِ، وهو مَجْهُولٌ، فأشْبَه اللَّبَنَ في الضَّرْعِ. فأمَّا من أجَازَه، فيَنْبَغِي أن يُوقِعَ العَقْدَ على العَمَلِ، ويُقَدِّرَه بمَرَّةٍ أو مَرَّتَيْنِ أو أكثَرَ. وقيل: يَقَعُ العَقدُ على مُدَّةٍ. وهذا بَعِيدٌ؛ لأنَّ من أرادَ إطْرَاقَ فَرَسِه مَرّةً، فقَدَّرَهُ بمُدَّةٍ تَزِيدُ على قَدْرِ الفِعْلِ، لم يُمْكِنِ اسْتِيعَابُها به، وإن اقْتَصَرَ على مِقْدارِه، فربَّما لا يَحْصُلُ الفِعْلُ فيه، ويَتَعَذَّرُ أيضًا ضَبْطُ مِقْدَارِ الفِعْلِ، فيَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ بالفِعْلِ، إلَّا أن يَكْتَرِىَ فَحْلًا لإِطْرَاقِ ماشِيَةٍ كثيرةٍ، كفَحْلٍ يَتْرُكُه في إبِلِه، أو تَيْسٍ في غَنَمِه، فإنَّ هذا إنَّما يُكْتَرَى مدَّةً مَعْلُومةً. والمَذْهَبُ أنَّه لا يجوزُ إجَارَتُه، فإن احْتاجَ إنْسانٌ إلى ذلك، ولم يَجِدْ من يُطْرِقُ له، جازَ له (٣١) أن يَبْذُلَ الكِرَاءَ، وليس لِلْمُطْرِقِ أخْذُه. قال عطاءٌ: لا يَأْخُذُ عليه شَيْئًا، ولا بَأْسَ أن يُعْطِيَهُ إذا لم يَجِدْ مَن يُطْرِقُ (٣٢) له. ولأنَّ ذلك بَذْلُ
---------------
(٢٨) سقط من: م.
(٢٩) في ب: "رواية البخاري".
وتقدم تخريجه في: ٦/ ٣٠٣.
(٣٠) سقط من: الأصل، ب.
(٣١) سقط من: ب.
(٣٢) في الأصل: "يطرقه".

الصفحة 130