كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

بَيْتِ المالِ، فجازَ أخْذُ الأجْرِ عليه، كبِنَاءِ المَسَاجِدِ والقَنَاطِرِ، ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك، فإنَّه يُحْتَاجُ إلى الاسْتنابةِ في الحَجِّ عمَّن وَجَبَ عليه الحَجُّ وعَجَزَ عن فِعْلِه، ولا يَكَادُ يُوجَدُ مُتَبَرِّعٌ بذلك، فيُحْتَاجُ إلى بَذْلِ الأجْرِ فيه. ووَجْهُ الرِّوَايةِ الأُولَى، ما رَوَى عثمانُ بن أبي العاصِ، قال: إنَّ آخِرَ ما عَهِدَ إليَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أن اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لا يَأْخُذُ على أذَانِه أجْرًا. قال التِّرْمِذِىُّ (٥٥): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورَوَى عُبَادَةُ بن الصَّامِتِ، قال: عَلَّمْتُ نَاسًا من أهْلِ الصُّفَّةِ القُرآنَ والكِتَابةَ، فأهْدَى إلىَّ رَجُلٌ منهم قَوْسًا، قال: قلتُ: قَوْسٌ ولَيْسَتْ بمالٍ. قال: قلتُ أتَقَلَّدُهَا في سَبِيلِ اللَّه. فذَكَرْتُ ذلك للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقَصَّ عليه القِصَّةَ، قال: "إنْ سَرَّكَ أنْ يُقَلِّدَكَ اللهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ، فَاقْبَلْهَا" (٥٦). وعن أُبَىِّ بن كَعْبٍ، أنَّه عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً من القُرْآنِ، فأَهْدَى إليه خَمِيصَةً (٥٧) أو ثَوبًا، فذَكَرَ ذلك للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "لَوْ أنَّكَ لَبِسْتَها، أو أخَذْتَها، أَلْبَسَكَ اللهُ مَكَانَها ثَوْبًا مِنْ نَارٍ" (٥٨). وعن أُبَىٍّ، قال: كُنْتُ أخْتَلِفُ إلى رَجُلٍ مُسِنٍّ، قد أصَابَتْهُ عِلَّةٌ، قد احْتَبَسَ في بَيْتِه أُقْرِئُه القُرْآنَ، فكان عند فَرَاغِه ممَّا أُقْرِئُه يقول لِجَارِيَةٍ له: هَلُمِّى بِطَعَامِ أخِى. فيُؤْتَى بطَعَامٍ لا آكُلُ مثلَه بالمَدِينَةِ، فحَاكَ في نَفْسِى منه
---------------
= وابن ماجه، في: باب أجر الراقى، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٢٩. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٢، ١٠، ٤٤، ٨٣. أما قوله: "لعمرى لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق". فأخرجها أبو داود في قصة الرجل المعتوه، في: باب كسب الأطباء، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٣٨. وليست من رواية أبى سعيد.
(٥٥) أخرجه الترمذي، في: باب في كراهية أن يأخذ على الأذان أجرًا، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ١١. والنسائي، في: باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا، من كتاب الأذان. المجتبى ٢/ ٢٠. وابن ماجه، في: باب السنة في الأذان، من كتاب الأذان. سنن ابن ماجه ١/ ٢٣٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢١٧.
(٥٦) أخرجه أبو داود، في: باب في كسب المعلم، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٣٧. وابن ماجه، في: باب الأجر على تعليم القرآن، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٣٠. والحاكم، في: باب نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، من كتاب البيوع. المستدرك ٢/ ٤١.
(٥٧) الخميصة: ثوب أسود أو أحمر له أعلام.
(٥٨) أخرجه ابن ماجه، في: باب الأجر على تعليم القرآن، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٣٠.

الصفحة 138