كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

فنَقِيسُ عليه مَحلَّ النِّزَاعِ. ولأنَّ سائِرَ الأمْوالِ لا يَزُولُ المِلْكُ عنها بالتَّرْكِ، بدَلِيلِ سائِرِ الأمْلَاكِ إذا تُرِكَتْ حتى تَشَعَّثَتْ. وما ذَكَرُوه يَبْطلُ بالمَوَاتِ إذا أحْياهُ إنسانٌ ثم باعَهُ، فتَرَكَهُ المُشْتَرِى حتى عادَ مَوَاتًا، وباللُّقَطَةِ إذا مَلَكَها ثم ضاعَت منه، ويُخَالِفُ ماءَ النَّهْرِ، فإنَّه استُهْلِكَ. النَّوْع الثاني، ما يُوجَدُ فيه آثارُ مِلْكٍ قَدِيمٍ جاهِلِىّ، كآثارِ الرُّومِ، ومَسَاكِن ثَمُودَ، ونحوها، فهذا يُملَكُ بالإِحْياءِ؛ لأنَّ ذلك المِلْكَ لا حُرْمَةَ له. وقد رُوِى عن طاوُسٍ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "عَادِىُّ الْأرْضِ لِلهِ ولِرَسُولِه، ثُمَّ هُوَ بَعْدُ لَكُمْ". رَوَاهُ سَعِيدُ [بن مَنصورٍ] (٧)، في "سُنَنِه"، وأبُو عُبَيْدٍ، في "الأمْوالِ" (٨). وقال: عادِىُّ الأرْضِ: التي كان بها ساكِنٌ في آبادِ الدَّهْرِ، فانْقَرَضُوا، فلم يَبْقَ منهم أنِيسٌ، وإنَّما نَسَبَها إلى عادٍ، لأنَّهم كانوا مع تَقَدُّمِهِم ذَوِى قُوَّةٍ وبَطْشٍ وآثارٍ كَثِيرَة، فنُسِبَ كلُّ أثَرٍ قَدِيمٍ إليهم. ويَحْتَمِلُ أنَّ كلَّ ما فيه أثرُ المِلْكِ، ولم يُعْلَمْ زَوَالُه قبلَ الإِسْلَامِ، أنَّه لا يُمْلَكُ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّ المُسْلِمِينَ أخَذُوه عامِرًا، فاسْتَحَقُّوه، فصارَ مَوْقُوفًا بِوَقْفِ عمرَ له، فلم يُمْلَكْ، كما لو عُلِمَ مالِكُه. النَّوع الثالث، ما جَرَى عليه المِلْكُ في الإِسلامِ لِمُسْلِمٍ، أو ذِمِّىٍّ غيرِ مُعَيَّنٍ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّها لا تُمْلَكُ بالإِحْياءِ. وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ، نَقَلَها عنه أبو دَاوُدَ، وأبو الحارِثِ، ويوسفُ بن موسى؛ لما رَوَى كَثِيرُ بن عبدِ اللَّه بن عَوْفٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول: "مَنْ أحيَا أرْضًا مَوَاتًا، في غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِىَ لَهُ" (٩). فقَيَّدَه بكَوْنِه في غيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ. ولأنَّ هذه الأرْضَ لها مالِكٌ، فلم يَجُزْ إحْياؤُها، كما لو كان مُعَيَّنًا، فإنَّ مالِكَها إن كان له وَرَثَةٌ فهى لهم، وإن لم يكُنْ له وَرَثَةٌ، وَرِثَها المسلِمُونَ. والرِّواية الثانية، أنَّها تُمْلَكُ
---------------
(٧) سقط من: الأصل.
(٨) أخرجه أبو عبيد، في: باب الإِقطاع، من كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها. . ., الأموال ٢٧٢.
كما أخرجه البيهقي، في: باب لا يترك ذمى يحييه. . ., من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى ٦/ ١٤٣.
(٩) أخرجه البخاري، في: باب من أحيا أرضا مواتا، من كتاب الحرث. صحيح البخاري ٣/ ١٣٩، ١٤٠. والبيهقي، في: باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد. . ., من كتاب إحياء الموت. السنن الكبرى ٦/ ١٤٢.

الصفحة 147