كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

كان بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ. فعَمِلَ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدهما، يجوزُ، وما يَأْخُذُه يكونُ بينهما. كما لو قال له: احْصُدْ هذا الزَّرْعَ بنِصْفِه أو ثُلُثِه. ولأنَّها عَيْنٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ عليها، فصَحَّ العَمَلُ فيها بِبَعْضِه، كالمُضَارَبةِ في الأَثْمانِ. والثانى، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ ما يَحْصُلُ منه. مَجْهُولٌ، ولأنَّه لا يَصِحُّ أن يكونَ إجَارَةً؛ لأنَّ العِوَضَ مَجْهُولٌ، والعَمَلَ مَجْهُولٌ، ولا جَعَالَةً؛ لأنَّ العِوَضَ مَجْهُولٌ، ولا مُضَارَبةً؛ لأنَّ المُضَارَبةَ إنَّما تَصِحُّ بالأَثْمانِ، على أن يَرُدَّ رَأْسَ المالِ، وتكونَ له حِصَّةٌ من الرِّبْحِ، وليس ذلك ههُنا. وفارَقَ حَصَادَ الزَّرْعِ بِنِصْفِه أو جُزْءٍ منه؛ لأنَّ الزَّرْعَ مَعْلُومٌ بالمُشَاهَدَةِ، وما عُلِمَ جَمِيعُه عُلِمَ جُزْؤُه، بخِلَافِ هذا. وإن قال: اعْمَلْ فيه كذا، ولك ما يَحْصُلُ منه، بِشَرْطِ أن تُعْطِيَنِى ألْفًا. أو شَيْئًا مَعْلُومًا. لم يَصِحَّ؛ لأنَّه بَيْعٌ لِمَجْهُولٍ، ولا يَصِحُّ أن يكونَ مُعَامَلةً كالمضَارَبةِ، لما ذَكَرْنا، ولأنَّ المُضَارَبةَ تكونُ بِجُزْءٍ من النَّمَاءِ، لا دَرَاهِمَ مَعْلُومَة. قال أحمدُ: إذا أخَذَ مَعْدِنًا من قَوْمٍ، على أن يَعْمُرَه، ويَعْمَلَ فيه، ويُعْطِيَهُم ألْفَىْ مَنًا (٢٢) وأَلْفَ مَنًا صُفرًا. فذلك مَكْروهٌ (٢٣) ولم يُرَخّصْ فيه.
فصل (٢٤): إذا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْفِرَ له عَشْرَةَ أذْرُعٍ، في دَورِ كذا، بِدِينَارٍ. صَحَّ؛ لأنَّها إجَارَةٌ مَعْلُومةٌ. وإن ظَهَرَ عِرْقُ ذَهَبٍ، فقال: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتُخْرِجَهُ بِدِينَارٍ. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ العَمَلَ مَجْهُولٌ. وإن قال: إن اسْتَخْرَجْتَهُ فلك دِينَارٌ. صَحَّ، ويكونُ جَعَالةً؛ لأنَّ الجَعَالةَ تَصِحُّ على عَمَلٍ مَجْهُولٍ، إذا كان العِوَضُ مَعْلُومًا.

فصل: ومن سَبَقَ في المَوَاتِ إلى مَعْدِنٍ ظاهِرٍ أو باطِنٍ، فهو أحَقُّ بما ينَالُ منه؛ لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ سَبَقَ إلى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسلِمٌ، فَهُوَ لَه" (٢٥). فإن أخَذَ قَدْرَ حاجَتِه، وأرَادَ الإِقَامَةَ فيه بحيث يَمْنَعُ غيرَه، مُنِعَ منه؛ لأنَّه يُضَيِّقُ على الناسِ ما لا نَفْعَ
---------------
(٢٢) المنا: كيل أو ميزان.
(٢٣) في ب، م: "المكروه".
(٢٤) لم يرد هذا الفصل في: الأصل.
(٢٥) تقدم تخريجه في صفحة ١٥٢.

الصفحة 159