كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

يُضَيِّقُ على المارَّةِ، لم يَحِلَّ له الجُلُوس فيه، ولا يَحِلُّ للإِمَامِ تَمْكِينُه بعِوَضٍ، ولا غيرِه. قال أحمدُ: ما كان يَنْبَغِى لنا أن نَشْتَرِىَ من هؤلاءِ الذين يَبِيعُونَ على الطَّرِيقِ. قال القاضِى: هذا مَحْمُودٌ على أنَّ الطَّرِيقَ ضَيِّقٌ، أو يكونُ يؤْذِى المارَّةَ؛ لما تَقَدَّمَ ذِكْرُنا له. وقال: لا يُعْجِبُنِى الطَّحْنُ في العُرُوبِ إذا كانت في طَرِيقِ الناسِ. وهو السُّفُنُ التي يُطْحَنُ فيها في الماءِ الجارِى. إنَّما كَرِهَ ذلك، لِتَضْيِيقِها طَرِيقَ السُّفُنِ المارّةِ في الماءِ. قال أحمدُ: ربَّما غَرِقَتِ السُّفُنُ، فأرَى لِلرَّجُلِ أن يَتَوقَّى الشِّرَاءَ ممَّا يُطْحَنُ بها.

فصل: في القَطَائِعِ، وهى ضَرْبانِ؛ أحدُهما، إقْطَاعُ إرْفاقٍ، وذلك إقْطاعُ مَقَاعِد السُّوقِ، والطُّرُقِ الواسِعَةِ، ورِحَاب المَسَاجِدِ، التي ذَكَرْنا أنَّ لِلسَّابِقِ إليها الجُلُوسَ فيها (٣٦)، فلِلإِمَامِ إقْطَاعُها لمن يَجْلِسُ فيها؛ لأنَّ له في ذلك اجْتِهادًا، من حيثُ إنَّه لا يجوزُ الجُلُوسُ إلَّا فيما لا يَضُرُّ بالمارَّةِ، فكان للإِمَامِ أن يُجْلِسَ فيها مَنْ لا يَرَى أنَّه يتضَرَّرُ بِجُلُوسِهِ. ولا يَمْلِكُها المُقْطَعُ بذلك، بل يكونُ أحَقَّ بالجُلُوسِ فيها من غيرِه، بمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إليها من غيرِ إقْطاعٍ، سواءً، إلَّا في شيءٍ واحدٍ، وهو أنَّ السَّابِقَ إذا نَقَلَ مَتَاعَه عنها، فلغيرِه الجُلُوسُ فيها؛ لأنَّ اسْتِحْقَاقَه لها بِسَبْقِه إليها، ومُقَامِه فيها، فإذا انْتَقَلَ عنها، زالَ اسْتِحْقَاقُه، لِزَوَالِ المَعْنَى الذي اسْتَحَقَّ به، وهذا اسْتَحَقَّ بإقْطَاعِ الإِمَامِ، فلا يَزُولُ حَقُّه بِنَقْلِ مَتَاعِه، ولا لغَيْرِه (٣٧) الجُلُوسُ فيه، وحُكْمُه في التَّظْلِيلِ على نَفْسِه بما ليس بِنَاءً، ومَنْعِه من البِنَاءِ، ومَنْعِه إذا طالَ مُقَامُه، حُكْمُ السّابِقِ، على ما أسْلَفْناهُ. الثاني، إقْطاعُ مَوَاتٍ من الأرْضِ لمن يُحْيِيها، فيجوزُ ذلك؛ لما رَوَى وائِلُ بن حُجْرٍ، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أقْطَعَه أرْضًا، فأرْسَلَ مُعَاوِيةَ أن "أعْطِه إيَّاهُ، أو أعْلِمْهُ إيَّاهُ". حَدِيثٌ صَحِيحٌ (٣٨). وأقْطَعَ بِلَالَ بن الحارِثِ
---------------
(٣٦) سقط من: ب، م.
(٣٧) في ب، م: "يضره".
(٣٨) تقدم تخريجه في صفحة ١٥٣.

الصفحة 162