كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

[وتَصَدَّقَ سَعْدٌ بِدَارِه بالمَدِينةِ ودَارِه بمِصْرَ على وَلَدِه، وعمرُو بن العاصِ بالوَهْطِ (٨) ودَارِه بمَكّةَ على وَلَدِه] (٩)، وحَكِيمُ بن حزامٍ بِدَارِه بمَكَّةَ والمَدِينَةِ على وَلَدِه، فذلك كلُّه إلى اليَوْمِ. وقال جابِرٌ: لم يكُنْ أحَدٌ من أصْحابِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذو مَقْدِرَةٍ إلَّا وَقَفَ. وهذا إجْماعٌ منهم، فإن الذي قَدرَ منهم على الوَقْفِ وَقَفَ، واشْتَهَر ذلك، فلم يُنْكِرْه أحدٌ، فكان إجْماعًا، ولأنَّه إزَالَةُ مِلْكٍ يَلْزَمُ بالوَصِيَّةِ، فإذا نَجَزَهُ حالَ الحَياةِ لَزِمَ من غيرِ حُكْمٍ، كالعِتْقِ. وحَدِيثُ عبدِ اللَّه بن زَيْدٍ إن ثَبَتَ، فليس فيه ذِكْرُ الوَقْفِ، والظّاهِرُ أنَّه جَعَلَه صَدَقَةً غيرَ مَوْقُوفٍ، اسْتَنَابَ فيها رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرَأَى وَالِدَيْه أحَقَّ الناسِ بِصَرْفِها إليهما، ولهذا لم يَرُدَّها عليه، إنَّما دَفَعَها إليهما. ويَحْتَمِلُ أنَّ الحائِطَ كان لهما، وكان هو يَتَصَرَّفُ فيه بحُكْمِ النِّيابةِ عنهما، فتَصَرَّفَ بهذا التَّصَرُّفِ بغير إذْنِهِما، فلم يُنَفِّذَاهُ، وأتَيَا النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فرَدَّه إليهما. والقِيَاسُ على الصَّدَقَةِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّها تَلْزَمُ في الحَياةِ بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ، وإنَّما تَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ، والوَقْفُ لا يَفْتَقِرُ إليه، فافْتَرَقا.

٩١٨ - مسألة؛ قال أبو القاسِم، رَحْمَةُ اللَّه عليه: (ومَنْ وَقَفَ فِي صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وبَدَنِهِ، عَلى قَوْمٍ وأَوْلَادِهِمْ وعَقِبِهمْ ثُمَّ آخِرَه لِلمَسَاكِينِ، فَقَدْ زَالَ مِلْكُه عَنْهُ)
في هذه المسألة فُصُولٌ ثلاثةُ:

أحدها: أنَّ الوَقْفَ إذا صَحَّ، زالَ به مِلْكُ الواقِفِ عنه، في الصَّحِيحِ من المَذْهَبِ. وهو المَشْهُورُ من مذهبِ الشافِعِىِّ، ومذهبِ أبى حَنِيفةَ. وعن أحمدَ: لا يَزُولُ مِلْكُه. وهو قولُ مالِكٍ، وحُكِىَ قَوْلًا لِلشّافِعِىِّ رَضِىَ اللَّه عنه؛ لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حَبِّسِ الْأصْلَ، وسَبِّلِ الثَّمَرةَ" (١). ولَنا، أنَّه سَبَبٌ يُزِيلُ التَّصَرُّفَ في
---------------
(٨) الوهط: مال كان لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من وج.
(٩) سقط من: الأصل.
(١) تقدم تخريجه من حديث عمر صفحة ١٨٤ وهذه الرواية أخرجها النسائي، في: باب حبس المشاع، من كتاب =

الصفحة 186