كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

إلَّا (١١) بِدَلِيلٍ، من نَصٍّ أو إجْماعٍ أو قِيَاسٍ، ولا نَعْلَمُ فيه نَصًّا، ولا إجْماعًا، ولا يَصِحُّ قِيَاسُه على مِيرَاثِ وَلاءِ المَوَالِى؛ لأنَّ عِلَّتَه لا تَتَحَقَّقُ ههُنا. وأقْرَبُ الأقْوالِ فيه صَرْفُه إلى المَساكِينِ؛ لأنَّهم مَصَارِفُ مالِ اللهِ تعالى وحُقُوقُه، فإن كان في أقارِبِ الواقِفِ مَسَاكِينُ، كانوا أوْلَى به، لا على سَبِيلِ الوُجُوبِ، كما أنَّهم أَوْلَى بِزَكاتِه وصِلَاتِه مع جَوَازِ الصَّرْفِ إلى غيرِهم، ولأنَّنا إذا صَرَفْناه إلى أقَارِبِه على سَبِيلِ التَّعْيِينِ، فهى أيضًا جِهَةٌ مُنْقَطِعةٌ، فلا يَتَحَقَّقُ اتِّصَالُه إلَّا بصَرْفِه إلى المَساكِينِ. وقال الشافِعِىُّ: يكون وَقْفًا على أقْرَبِ الناسِ إلى الواقِفِ، الذَّكَرُ والأُنْثَى فيه سواءٌ.

فصل: فإن لم يكُنْ للواقِفِ أقارِبُ، أو كان له أقارِبُ فانْقَرَضُوا، صُرِفَ إلى الفُقَراءِ والمَساكِينِ وَقْفًا عليهم؛ لأنَّ القَصْدَ به الثَّوَابُ الجارِى عليه على وَجْهِ الدَّوَامِ، وإنَّما قَدَّمْنَا الأقَارِبَ على المَساكِينِ، لكَوْنِهم أوْلَى، فإذا لم يكونُوا، فالمَساكِينُ أهْلٌ لذلك، فصُرِف إليهم، إلَّا على قَوْلِ مَن قال: إنَّه يُصْرَف إلى وَرَثَةِ الواقِفِ مِلْكًا لهم. فإنَّه يُصْرَفُ عند عَدَمِهِم إلى بَيْتِ المالِ؛ لأنَّه بَطَلَ الوَقْفُ فيه بِانْقِطاعِه، وصارَ مِيرَاثًا لا وارِثَ له، فكان بَيْتُ المالِ به أوْلَى.

فصل: فإن قال: وَقَفْتُ هذا. وسَكَتَ، أو قال: صَدَقَةٌ مَوْقُوفةٌ. ولم يَذْكُرْ سَبِيلَه (١٢). فلا نَصَّ فيه. وقال ابنُ حامدٍ: يَصِحُّ الوَقْفُ. قال القاضي: هو قِيَاسُ قولِ أحمدَ؛ فإنَّه قال في النَّذْرِ المُطْلَقِ: يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِكَفَّارَةِ يَمِينٍ. وهذا قولُ مالِكٍ، والشافِعِىِّ في أحدِ قَوْلَيْه؛ لأنَّه إزَالَةُ مِلْكٍ على وَجْهِ القُرْبةِ، فوَجَبَ أن يَصِحَّ مُطْلَقُه، كالأُضحِيَةِ والوَصِيَّة. ولو قال: وَصَّيْتُ بِثُلُثِ مالِى. صَحَّ، وإذا صَح صُرِفَ إلى مَصَارِفِ الوَقْفِ المُنْقَطِعِ بعدَ انْقِرَاضِ المَوْقُوفِ عليه.
---------------
(١١) في م: "من".
(١٢) في الأصل: "سبله".

الصفحة 213