كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

على وَرَثَتِه. فقيل له: أليس تَذْهَبُ إلى (٦) أنَّه لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ؟ فقال: نعم، والوَقْفُ غيرُ الوَصِيَّةِ؛ لأنَّه لا يُبَاعُ ولا يُورَثُ، ولا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثةِ يَنْتَفِعُونَ بِغَلَّتِه. وقال، في رِوَايةِ أحمدَ بن الحَسَنِ، فإنَّه صَرَّحَ في مَسْأَلَتِه بِوَقْفِ ثُلُثِه على بعض وَرَثتِه دون بعضٍ، فقال: جائِزٌ. قال الْخَبْرِىُّ (٧): وأجازَ هذا الأكْثَرُونَ. واحْتَجَّ أحمدُ، بِحَدِيثِ عمرَ رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: هذا ما أوْصَى به عبدُ اللَّه عمرُ أميرُ المُؤْمِنِينَ، إن حَدَثَ به حَدَثٌ أنّ ثَمْغًا صَدَقَةٌ، والعَبْدَ الذي فيه، والسَّهْمَ الذي بِخَيْبَر، وَرِقيقَه الذي فيه، والمائةَ وَسْقٍ التي (٨) أطْعَمَنِى محمدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم-، تَلِيه حَفْصَةُ ما عاشَتْ، ثم يَلِيه ذَوُو الرَّأْى من أهْلِه، لا يُباعُ، ولا يُشْتَرَى، يُنْفِقُه حيث يَرَى من السّائِلِ والمَحْرُومِ وذَوِى القُرْبَى، ولا حَرَجَ على من وَلِيَهُ إن أكلَ أو اشْتَرَى رَقِيقًا. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ بنحوٍ. من هذا. فالحُجَّةُ أنَّه جَعَلَ لِحَفْصَةَ أن تَلِىَ وَقْفَه، وتَأْكُلَ منه، وتَشْتَرِىَ رَقِيقًا. قال المَيْمُونِىُّ: قلتُ لأحمدَ: إنَّما أمَرَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عمَرَ بالإِيقَافِ، وليس في الحَدِيثِ الوارِثُ. قال: فإذا كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَه وهو ذا قد وَقَفَها على وَرَثَتِه، وحَبَّسَ الأصْلَ عليهم جَمِيعًا، ولأنَّ الوَقْفَ ليس في مَعْنَى المِلْكِ (٩)؛ لأنَّه لا يجوزُ التَّصَرُّفُ فيه، فهو كعِتْقِ الوَارِثِ. ولَنا، أنَّه تَخْصِيصٌ لبعضِ الوَرَثَةِ بمالِه في مَرَضِه، فمُنِعَ منه، كالهِبَاتِ ولأنَّ كلَّ مَنْ لا تجوزُ له الوَصِيَّةُ بالعَيْنِ، لا تجوزُ بالمَنْفَعةِ، كالأجْنَبِى فيما زادَ على الثُّلُثِ. وأمَّا خبرُ عمرَ، فإنَّه لم يَخُصَّ بعضَ الوَرَثةِ بِوَقْفِه، والنِّزَاعُ إنما هو في تَخْصِيصِ بعضِهم. وأمَّا جَعْلُ الوِلَايةِ لِحَفْصَةَ، فليس ذلك وَقْفًا عليها، فلا يكونُ ذلك وارِدًا في مَحلِّ النِّزَاعِ، وكونُه انْتِفَاعًا بالغَلَّةِ، لا يَقْتَضِى جَوَازَ التَّخْصِيصِ، بِدَلِيلِ ما لو أوْصَى لِوَرَثَتِه بمَنْفَعَةِ عَبْدٍ، لم يَجُزْ. ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ كلامُ أحمدَ في رِوَايةِ
---------------
(٦) سقط من: م.
(٧) أبو حكيم عبد اللَّه بن إبراهيم بن عبد اللَّه الخبرى، فقيه شافعى، يعرف العربية، ويكتب الخط الحسن، ويضبط الضبط الحسن، توفى سنة ست وسبعين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ٥/ ٦٢، ٦٣.
(٨) في م "الذي".
(٩) في م: "المال".

الصفحة 218