كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

فصل: وإن أَعْتَقَ العَبْدَ المَوْقُوفَ، لم يَنْفُذْ عِتْقُه؛ لأنَّه يَتَعَلَّقُ به حَقُّ غيرِه، ولأنَّ الوَقْفَ لازِمٌ، فلا يُمْكِنُ إبْطَالُه. وإن كان نِصْفُ العَبْدِ وَقْفًا، ونِصْفُه طَلْقًا، فأعْتَقَ صاحِبُ الطَّلْقِ، لم يَسْرِ عِتْقُه إلى الوَقْفِ؛ لأنَّه إذا لم يَعْتِقْ بالمُبَاشَرَةِ فبالسِّرَايةِ أَوْلَى.

٩٢٦ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِ بَعْضِ أهْلِ الوَقْفِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وإذَا صارَ الْوَقْفُ لِلْمَساكِينِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ)
وجملةُ ذلك أنَّ الوَقْفَ إذا كان شَجَرًا فأَثْمَرَ، أو أرْضًا فزُرِعَتْ، وكان الوَقْفُ على قَوْمٍ بأعْيانِهِم، فحَصَلَ لِبَعْضِهِم من الثّمرَةِ أو الحَبِّ نِصَابٌ، ففيه الزَّكَاةُ. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعيُّ. ورُوِى عن طاوُسٍ، ومَكحُولٍ: لا زَكَاةَ فيه، لأنَّ الأرْضَ ليست مَمْلُوكةً لهم، فلم تَجِبْ عليهم زَكَاةٌ في الخارِجِ منها، كالمَساكِينِ. ولَنا، أنَّه استَغَلَّ (١) من أرْضِه أو شَجَرِه نِصَابًا، فلَزِمَتْهُ زَكَاتُه، كغيرِ الوَقْفِ، يُحَقِّقُه أنَّ الوَقْفَ الأصْلُ، والثَّمرَةَ طَلْقٌ، والمِلْكُ فيها تامٌّ، له التَّصَرُّفُ فيها بجَمِيعِ التَّصَرُّفاتِ، وتُورَثُ عنه، فتَجِبُ فيها الزَّكَاةُ، كالحاصِلَةِ من أرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ له. وقولُهم: إنَّ الأرْضَ غيرُ مَمْلُوكةٍ له. مَمْنُوعٌ. وإن سَلَّمْنَا ذلك، فهو مالِكٌ لِمَنْفَعَتِها؛ ويَكْفِى ذلك في وُجُوبِ الزَّكَاةِ، بِدَلِيلِ الأرْضِ المُسْتَأْجَرَةِ. أمَّا المَساكِينُ فلا زَكَاةَ عليهم فيما يَحْصُلُ في أيْدِيهِم، سواءٌ حَصَلَ في يَدِ بعضِهم نِصَابٌ من الحُبُوبِ والثِّمارِ، أو لم يَحْصُلْ، ولا زَكَاةَ عليهم قبلَ تَفْرِيقِها، وإن بَلَغَتْ نُصُبًا (٢)؛ لأنَّ الوَقْفَ [على المَساكِينِ] (٣) لا يَتَعَيَّنُ لواحِدٍ منهم، بِدَلِيلِ أنَّ كلَّ واحدٍ منهم يجوزُ حِرْمَانُه والدَّفْعُ إلى غيرِه، وإنَّما ثَبَتَ (٤) المِلْكُ فيه بالدَّفْعِ والقَبضِ، لِمَا أُعْطِيَهُ من غَلَّتِه مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا، فلم تَجِبْ عليه فيه زَكَاةٌ، كالذى يُدْفَعُ إليه من الزَّكَاةِ،
---------------
(١) في الأصل: "اشتغل".
(٢) في الأصل: "نصابا".
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) في الأصل: "يثبت".

الصفحة 228