كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

وقال أبو حنيفةَ، وأصْحَابُه: يَجُوزُ لِلمُكْتَرِى فَسْخُها لِعُذْرٍ في نَفْسِه، مثل أن يَكْتَرِىَ جَمَلًا لِيَحُجَّ عليه، فيَمْرَضَ، فلا يَتَمَكَّنُ من الخُرُوجِ، أو تَضِيعَ نَفَقَتُه، أو يَكْتَرِىَ دُكّانًا لِلْبَزِّ، فيَحْتَرِقَ مَتَاعُه، وما أشْبَهَ هذا؛ لأنَّ العُذْرَ يَتَعَذَّرُ معه اسْتِيفَاءُ المَنْفَعةِ المَعْقُودِ عليها، فمَلَكَ به الفَسْخَ كما لو اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فأبَقَ. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ لا يجوزُ فَسْخُه [مع اسْتِيفاءِ المَنْفَعةِ المَعْقودِ عليها] (١٣) لغيرِ عُذْرٍ، فلم يَجُزْ لِعُذْرٍ في غير المَعْقُودِ عليه، كالبَيْعِ، ولأنَّه لو جازَ فَسْخُه لِعُذْرِ المُكْتَرِى، لَجازَ لِعُذْرِ المُكْرِى، تَسْوِيةً بين المُتَعاقِدَيْنِ. ودَفْعًا لِلضَّرَرِ عن كلِّ (١٤) واحدٍ من العاقِدَيْنِ، ولم يَجُزْ ثَمَّ، فلا يَجوزُ ههُنا، ويُفَارِقُ الإِبَاقَ، فإنَّه عُذْرٌ في المَعْقُودِ عليه.

٨٩٣ - مسألة؛ قال: (وَمَنِ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا مُدَّةً بِعَيْنِها، فبَدَا لَهُ قَبْلَ تَقَضِّيها، فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ كامِلَةً (١))
وجملتُه أنَّ الإِجَارَةَ عَقْدٌ لازِمٌ، يَقْتَضِى تَمْلِيكَ المُؤْجِرِ الأجْرَ، والمُسْتَأْجِرِ المَنافِعَ، فإذا فَسَخَ المُسْتَأْجِرُ الإِجَارَةَ قبلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِها، وتَرَكَ الانْتِفَاعَ اخْتِيارًا منه، لم تَنْفَسِخ الإِجَارَةُ، والأجْرُ لازِمٌ له، ولم يَزُلْ مِلْكُه عن المَنافِعِ، كما لو اشْتَرَى شَيْئًا وقَبَضَه ثم تَرَكَه. قال الأثْرَمُ: قلتُ لأبي عبدِ اللَّه: رَجُلٌ اكْتَرَى بَعِيرًا، فلما قَدِمَ المَدِينةَ، قال له: فاسِخْنِى. قال: ليس ذلك له، قد لَزِمَهُ الكِرَاءُ. قلتُ: فإن مَرِضَ المُسْتَكْرِى بالمَدِينَةِ؟ فلم يَجْعَلْ له فَسْخًا؛ وذلك لأنَّه عَقْدٌ لازِمٌ من (٢) الطَّرَفَيْنِ، فلم يَمْلِكْ أحدُ المُتَعاقِدَيْنِ فَسْخَهُ. وإن فَسَخَه، لم يَسْقُط العِوَضُ الواجِبُ عليه، كالبَيْعِ.

فصل: ولا خِلَافَ بين أهْلِ العِلْمِ في إبَاحَةِ إجَارَةِ العَقَارِ، قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ
---------------
(١٣) سقط من: الأصل، ب.
(١٤) سقط من: الأصل.
(١) سقط من: الأصل، ب.
(٢) في م: "بين".

الصفحة 23