كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

أضْرُبٍ: أحدها، أن تَتْلَفَ قبلَ قَبْضِها، فإنَّ الإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ، بغيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه تَلِفَ قبلَ قَبْضِه، فأشْبَهَ ما لو تَلِفَ الطَّعَامُ المَبِيعُ قبلَ قَبْضِه. والثانى، أن تَتْلَفَ عَقِيبَ قَبْضِها، فإنَّ الإِجَارةَ تَنْفَسِخُ أيضًا، ويَسْقُطُ الأجْرُ في قولِ عامّةِ الفُقَهاءِ، إلَّا أبا ثَوْرٍ حُكِى عنه أنّه قال: يَسْتَقِرُّ الأجْرُ؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه تَلِفَ (٢) بعدَ قَبْضِه، أشْبَهَ المَبِيعَ. وهذا غَلَطٌ؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه المنافِعُ، وقَبْضُها باسْتِيفَائِها، أو التَّمَكُّنِ من اسْتِيفَائِها، ولم يَحْصُلْ ذلك، فأشْبَهَ تَلَفَها قبلَ قَبْضِ العَيْنِ. الثالث، أن تَتْلَفَ بعدَ مُضِىِّ شيءٍ من المدَّةِ، فإنَّ الإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فيما بَقِىَ من المُدَّةِ دونَ ما مَضَى، ويكونُ لِلْمُؤْجِرِ من الأجْرِ بِقَدْرِ ما اسْتَوْفَى من المَنْفَعةِ. قال أحمدُ، في روَايةِ إبراهيمَ بن الحارِثِ: إذا اكْتَرَى بَعِيرًا بِعَيْنِه، فنَفَقَ البَعِيرُ، يُعْطِيه بحِسَابِ ما رَكِبَ. وذلك لما ذَكَرْنا من أنَّ المَعقُودَ عليه المنافِعُ، وقد تَلِفَ بعضُها قبلَ قَبْضِه، فبَطَلَ العَقْدُ فيما تَلِفَ دونَ ما قُبِضَ، كما لو اشْتَرَى صُبْرَتَيْنِ، فقَبَضَ إحْداهُما، وتَلِفَتِ الأُخْرَى قبلَ قَبْضِها، ثم نَنْظُرُ؛ فإن كان أجْرُ المُدّةِ مُتَساوِيًا، فعليه بِقَدْرِ ما مَضَى، إن كان قد مَضَى النِّصْفُ، فعليه نِصْفُ الأجْرِ، وإن كان [قد مَضَى] (٣) الثُّلُثُ، فعليه الثُّلُثُ، كما يُقَسَّمُ الثَّمنُ على المَبِيعِ المُتَسَاوِى. وإن كان مُخْتَلِفًا، كدَارٍ أجْرُها في الشِّتَاءِ أكْثَرُ من أجْرِها (٤) في الصَّيْفِ، وأرْضٍ أجْرُها في الصَّيْفِ أكْثَرُ من الشِّتاءِ، أو دارٍ لها مَوْسِمٌ كَدُورِ مَكَّةَ، رُجِعَ في تَقْوِيمِه إلى أهْلِ الخِبْرَةِ، ويُقَسَّطُ الأجْرُ المُسَمَّى على حَسَبِ قِيمَةِ المَنْفَعةِ، [كَقِسْمَةِ الثَّمَنِ] (٥) على الأعْيانِ المخْتَلِفَةِ في البَيْعِ (٦). وكذلك لو كان الأجْرُ على قَطْعِ مَسَافةٍ، كبَعِيرٍ استَأْجَرَه على حَمْلِ شيءٍ إلى مكانٍ مُعَيَّنٍ، وكانت مُتَسَاوِيةَ الأجْزاءِ أو مُخْتَلِفةً. وهذا ظاهِرُ مذهبِ الشافِعِىِّ.
---------------
(٢) في م: "أتلف".
(٣) سقط من: الأصل، ب.
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) في ب: "كقيمة الأثمان".
(٦) في الأصل: "المبيع".

الصفحة 28