كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

لا تُضْمَنُ. وهو قول أصْحابِ الرَّأْى. ولأصْحابِ الشّافِعِىِّ في ذلك اخْتِلَافٌ. وإن رُدَّتِ (١٧) العَيْنُ في أثناء المُدّةِ، ولم يكن فَسَخَ، اسْتَوْفَى ما بَقِىَ منها، ويكونُ فيما مَضَى من المُدَّةِ مُخَيّرًا، كما ذَكَرْنا. وإن كانت الإِجَارةُ على عَمَلٍ؛ كخِيَاطةِ ثَوْبٍ، أو حَمْلِ شيءٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، فغُصِبَ جَمَلُه الذي يَحْمِلُ عليه، وعَبْدُه الذي يَخِيطُ له، لم يَنْفَسِخ العَقْدُ، وللمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبةُ الأجِيرِ بِعوَضِ المَغْصُوبِ، وإقامَةِ من يَعْمَلُ العَمَلَ؛ لأنَّ العَقْدَ على ما في الذِّمَّةِ، كما لو وَجَدَ بالمُسْلَمِ فيه عَيْبًا، فَرَدَّه، فإن تَعَذَّرَ البَدَلُ، ثَبَتَ لِلمُسْتَأْجِرِ الخِيَارُ بين الفَسْخِ أو الصَّبْرِ إلى أن يَقْدِرَ على العَيْنِ المَغْصُوبةِ، فيَسْتَوْفِىَ منها.

فصل: القسم الرابع (١٨)، أن يَتَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ المَنْفَعةِ من العَيْنِ بفِعْلٍ صَدَرَ منها، مثل أن يَأْبَقَ العَبْدُ، أو تَشْرُدَ الدّابّةُ، وقد ذَكَرْنا حُكْمَ ذلك فيما قبلَ هذا.

فصل: القسم الخامس، أن يَحْدُثَ خَوْفٌ عامٌّ، يَمْنَعُ من سُكْنَى ذلك المَكانِ الذي فيه العَيْنُ المُسْتَأْجَرَةُ، أو تُحْصَرَ البَلَدُ، فيَمْتَنِعَ الخُرُوجُ إلى الأرْضِ المُسْتَأْجَرةِ للزَّرْعِ، ونحو ذلك، فهذا يُثْبِتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارَ الفَسْخِ؛ لأنَّه أمرٌ غالِبٌ مَنَعَ (١٩) المُسْتَأْجِرَ اسْتِيفَاءَ المَنْفَعةِ، فأثْبَتَ الخِيَارَ، كغَصْبِ العَيْنِ. ولو اسْتَأْجَرَ دَابّةً لِيَرْكَبَها، أو يَحْمِلَ عليها إلى مكانٍ مُعَيّنٍ، فانْقَطَعَتِ الطّرِيقُ إليه لِخَوْفٍ حادِثٍ، أو اكْتَرَى إلى مَكَّةَ، فلم يَحُجَّ الناسُ ذلك العام من تلك الطَّرِيقِ، فلكلِّ واحدٍ منهما فَسْخُ الإِجَارةِ. وإن أحَبَّ إبْقاءَها إلى حينِ إمكانِ اسْتِيفاءِ المَنْفَعةِ، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَعْدُوهما. فأمَّا إن كان الخَوْفُ خاصًّا بالمُسْتَأْجِرِ، مثل أن يَخَافَ وحدَه لِقُرْبِ أعْدائِه من المَوْضِع المُسْتَأْجَرِ، أو حُلُولِهم في طَرِيقِه، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ؛ لأنَّه عُذْرٌ
---------------
(١٧) في الأصل، أ، م: "زادت".
(١٨) ذكر في أول المسألة أنها ثلاثة أقسام.
(١٩) في م: "يمنع".

الصفحة 31