كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

يَخْتَصُّ به، لا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ المَنْفَعةِ بالكُلِّيةِ، فأشْبَهَ مَرَضَه. وكذلك لو حُبِسَ، أو مَرِضَ، أو ضاعتْ نَفَقَتُه، أو تَلِفَ مَتَاعُه، لم يَمْلِكْ فَسْخَ الإِجارَةِ لذلك؛ لأنَّه تَرَكَ اسْتِيفاءَ المنَافِعِ لِمَعْنًى من جِهَتِه، فلم يَمْنَعْ ذلك وُجُوبَ أجْرِها عليه، كما لو تَرَكَها اختِيارًا.

فصل: وإذا اكْتَرَى عَيْنًا، فوَجَدَ بها عَيْبًا لم يكُنْ عَلِمَ به، فله فَسْخُ العَقْدِ، بغير خِلَافٍ نَعْلَمُه. قال ابنُ المُنْذِرِ: إذا اكْتَرَى دَابّةً بِعَيْنِها، فوَجَدَها جَمُوحًا، أو عَضُوضًا، أو نَفُورًا، أو بها عَيْبٌ غيرَ ذلك ممَّا يُفْسِدُ رُكُوبَها، فلِلْمُكْتَرِى الخِيارُ، إن شاءَ رَدَّها وفَسَخَ الإِجَارةَ، وإن شاءَ أخَذَها. وهذا قولُ أبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرّأْى، ولأنَّه عَيْبٌ في المَعْقُودِ عليه، فأثْبَتَ الخِيَارَ، كالعَيْبِ في بُيُوعِ الأعْيانِ. والعَيْبُ الذي يُرَدُّ به، ما تَنْقُصُ به قِيمةُ (٢٠) المَنْفَعةِ، كتَعَثُّرِ الظَّهْرِ في المَشْىِ، والعَرَجِ الذي يَتَأَخَّرُ به عن القافِلَةِ، ورَبْضِ (٢١) البَهِيمَةِ بالحِمْلِ، وكَوْنُها جَمُوحةً أو عَضُوضةً، وأشْباه ذلك. وفى المُكْتَرَى لِلخِدْمةِ؛ ضَعْفُ البَصَرِ، والجُنُونُ، والجُذَامُ، والبَرَصُ، وفي الدَّارِ؛ انْهِدَامُ الحائِطِ، والخَوْفُ من سُقُوطِها، وانْقِطاعُ الماءِ من بِئْرِها، أو تغيُّره بحيث يَمْتَنِعُ الشُّرْبُ والوُضُوءُ، وأشْباه ذلك من النّقائِصِ، ومتى حَدَثَ شيءٌ من هذه العُيُوبِ بعدَ العَقْدِ، ثَبَتَ لِلمُكْتَرِى خِيَارُ الفَسْخِ؛ لأنَّ المَنافِعَ لا يَحْصُلُ قَبْضُها إلَّا شيئا فشيئا، فإذا حَدَثَ العَيْبُ، فقد وُجِدَ قبلَ (٢٢) قَبْض الباقِى من المَعْقُودِ عليه، فأثْبَتَ الفَسْخَ فيما بَقِىَ منها، ومتى فَسَخَ، فالحُكْمُ فيه كما لو انْفَسَخَ العَقْدُ بِتَلَفِ العَيْنِ. وإن رَضِىَ المُقامَ ولم يَفْسَخْ، لَزِمَهُ جَمِيعُ العِوَضِ؛ لأنَّه رَضِىَ به ناقِصًا، فأشْبَهَ ما لو رَضِىَ بالمَبِيعِ مَعِيبًا. وإن اخْتَلَفا في المَوْجُودِ، هل هو عَيْبٌ أو لا؟ رُجِعَ فيه إلى أهْلِ الخِبْرةِ، فإن قالوا: ليس بِعَيْبٍ. مثل أن تكونَ الدَّابَّةُ
---------------
(٢٠) سقط من: م.
(٢١) في الأصل: "ورفض".
(٢٢) في ب، م: "مثل".

الصفحة 32