كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

ما يَمْلِكُه، فلا يَنْفَسِخُ بالعِتْقِ، ولا يَزُولُ مِلْكُه عنه، كما لو زَوَّجَ أَمَتَه ثم باعَها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ نَفَقَةَ العَبْدِ إن كانت مَشْرُوطةً على المُسْتَأْجِرِ، فهى عليه كما كانتْ، وإن لم تكنْ مَشْرُوطةً عليه (٢١)، فهى على مُعْتِقِه؛ لأنَّه (٢٢) كالباقِى على مِلْكِه، بِدَلِيلِ أنَّه يَمْلِكُ عِوَضَ نَفْعِه، ولأنَّ العَبْدَ لا يَقْدِرُ على نَفَقَةِ نَفْسِه؛ لأنَّه مَشْغُولٌ بالإِجَارةِ، ولا على المُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهُ بعِوَضٍ غيرِ نَفَقَتِه، لم يَبْقَ إلَّا أنَّها على المَوْلَى.

فصل: إذا أجَرَ عَيْنًا، ثم باعَها، صَحَّ البَيْعُ، نَصَّ عليه أحمدُ، سواءٌ باعَها لِلْمُسْتَأْجِرِ أو لغيرِه. وبهذا قال الشافِعِيُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه، وقال في الآخَرِ: إن باعَها لغير المُسْتَأْجِرِ، لم يَصِحَّ البَيْعُ؛ لأنَّ يَدَ المُسْتَأْجِرِ حائِلةٌ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إلى المُشْتَرِى، فمَنَعَتِ الصِّحَّةَ، كما في بَيْعِ المَغْصُوبِ. ولَنا، أنَّ الإِجارةَ عَقْدٌ على المَنافِعِ، فلم تَمْنَعِ الصِّحَّةَ، كما لو زَوَّجَ أَمَتَه، ثم باعَها. وقولُهم: يَدُ المُسْتَأْجِرِ حائِلَةٌ دُونَ التَّسْلِيمِ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ يَدَ المُسْتَأْجِرِ إنَّما هي على المَنافِعِ، والبَيْعَ على الرَّقَبةِ، فلا يَمْنَعُ ثُبُوتُ اليَدِ على أحَدِهما تَسْلِيمَ الآخَر، كما لو باعَ الأمَةَ المُزَوّجَةَ، ولئِن مَنَعَتِ التَّسْلِيمَ في الحالِ، فلا تَمْنَعُ في الوَقْتِ الذي يَجِبُ التَّسْلِيمُ فيه، وهو عند انْقِضَاءِ الإِجَارةِ، ويَكْفِى القُدْرَةُ على التَّسْلِيمِ حينئذٍ، كالمُسْلَمِ فيه. وقال أبو حنيفةَ: البَيْعُ مَوْقُوفٌ على إجَازَةِ المُسْتَأْجِرِ فإن أجَازَهُ جازَ، وبَطَلَتِ الإِجَارَةُ، وإن رَدَّهُ بَطَلَ. ولَنا، أنَّ البَيْعَ على غيرِ المَعْقُودِ عليه في الإِجَارةِ، فلم تُعْتَبَرْ إجازَتُه، كبَيْعِ الأَمَةِ المُزَوَّجَةِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ المُشْتَرِىَ يَمْلِكُ المَبِيعَ مَسْلُوبَ المَنْفَعةِ إلى حينِ انْقِضَاءِ الإِجَارَةِ، ولا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ العَيْنِ إلَّا حينئذٍ؛ لأنَّ تَسْلِيمَ العَيْنِ إنَّما يُرَادُ لِاسْتِيفاءِ نَفْعِها، ونَفْعُها إنَّما يَسْتَحِقُّه إذا انْقَضَتِ الإِجَارةُ، فيَصِيرُ هذا بِمَنْزِلةِ مَن اشْتَرَى عَيْنًا في مكانٍ بَعِيدٍ، فإنَّه لا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَها إلَّا بعدَ مُضِىِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ إحْضَارُها فيها. كالمُسْلِمِ إلى وَقْتٍ لا يَسْتَحِقُّ تَسَلُّمَ المُسْلَمِ فيه إلَّا في وَقْتِه، فإن لم يَعْلَمِ المُشْتَرِى
---------------
(٢١) سقط من: ب.
(٢٢) سقط من: الأصل.

الصفحة 48