كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

٨٩٩ - مسألة؛ قال: (وَمَنِ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا، فَلَهُ أن يُسْكِنَهُ غَيْرَهُ إذَا كَانَ يَقُومُ مَقَامَهُ)
وجملتُه أنَّ من اسْتَأْجَرَ عَقَارًا لِلسُّكْنَى، فله أن يَسْكُنَه، ويُسْكِنَ فيه مَن شاءَ ممَّن يَقُومُ مَقَامَه في الضَّرَرِ، أو دُونَه، ويَضَعُ فيه ما جَرَتْ عادةُ السّاكِنِ به، من الرَّحْلِ (١) والطَّعَامِ، ويَخْزُنُ فيها الثِّيَابَ وغيرَها ممَّا لا يَضُرُّ بها، ولا يُسْكِنُها ما يَضُرُّ بها، مثل القَصَّارِينَ والحَدّادِينَ؛ لأنَّ ذلك يَضُرُّ بها. ولا يَجْعَلُ فيها الدَّوَابَّ؛ لأنَّها تَرُوثُ فيها وتُفسِدُها. ولا يَجْعَلُ فيها السِّرْجِينَ (٢)، ولا رَحًى، ولا شَيْئًا يَضُرُّ بها. ولا يجوزُ أن يَجْعَلَ فيها شيئًا ثَقِيلًا فوق سَقْفٍ؛ لأنَّه يُثْقِلُه ويَكْسِرُ خَشَبَه. ولا يَجْعَلُ فيها شيئًا يَضُرُّ بها، إلَّا أن يَشْتَرِطَ ذلك. وبهذا قال الشافِعِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا. وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّ له اسْتِيفَاءَ المَعْقُودِ عليه بِنَفْسِه ونائِبِه، والذي يَسْكُنُه نائِبٌ عنه في اسْتِيفاءِ المَعْقُودِ عليه، فجازَ، كما لو وَكَّلَ وَكِيلًا في قَبْضِ المَبِيعِ، أو دَيْنٍ له. ولم يَمْلِكْ فِعْلَ ما يَضُرُّ بها؛ لأنَّه فوقَ المَعْقُودِ عليه، فلم يكُنْ له فِعْلُه، كما لو اشْتَرَى شيئا لم يَمْلِكْ أخْذَ أكْثَرَ منه. فأمَّا أن يَجْعَلَ الدّارَ مَخْزَنًا لِلطَّعامِ، فقد قال أصْحَابُنا: يجوزُ ذلك؛ لأنَّه يجوزُ أن يَجْعَلَها مَخْزَنًا لغيرِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يجوزَ؛ لأنَّ ذلك يُفْضِى إلى تَحْرِيقِ النَّارِ أرْضَها وحِيطَانَها، وذلك ضَرَرٌ لا يَرْضَى به صاحِبُ الدّارِ.

فصل: وإذا اكْتَرَى دارًا، جازَ إطْلَاقُ العَقْدِ، ولم يَحْتَجْ إلى ذِكْرِ السُّكْنَى، ولا صِفَتِها. وهذا قول الشافِعِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْى. وقال أبو ثَوْرٍ: لا يجُوزُ، حتى يقولَ: أَبِيتُ تَحْتَها أنا وعِيَالِى؛ لأنَّ السُّكْنَى تَخْتَلِفُ، ولو اكْتَراها لِيَسْكُنَها، فتَزَوَّجَ امْرَأةً، لم يكُنْ له أن يُسْكِنَها معه. ولَنا، أنَّ الدَّارَ لا تُكْتَرَى إلَّا لِلسُّكْنَى،
---------------
(١) في م: "الرحال".
(٢) السرجين: الزبل.

الصفحة 52